Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ماذا تنتظر الفصائل الإسلامية السورية؟

ثمة حديثٌ نبويٌ ترد فيه العبارة التالية: ".. ولن يُغلب اثنا عشرَ ألفاً من قِلَّة". الحديث واردٌ لدى ابن ماجه والترمذي فيما أعتقد، وهناك درجةٌ من الاتفاق على صِحَّته.

A A
ثمة حديثٌ نبويٌ ترد فيه العبارة التالية: ".. ولن يُغلب اثنا عشرَ ألفاً من قِلَّة". الحديث واردٌ لدى ابن ماجه والترمذي فيما أعتقد، وهناك درجةٌ من الاتفاق على صِحَّته.
ولكن، بغض النظر عن الدخول في جدلٍ حول صحة الحديث وضعفه، يبدو، في واقعنا السوري الراهن على الأقل، أن اجتماعَ قلوب وعقول اثني عشر ألف مقاتلٍ سوري، بشكلٍ حقيقي وشامل، على كلمةٍ واحدة، لابد أن يؤثر في أحداث سوريا بشكلٍ واضحٍ وكبير.
لماذا يستحيلُ حتى الآن حصولُ هذا في الداخل السوري؟
لو فكرنا قليلاً في الموضوع، سيكون هذا بالتأكيد أكثر سؤالٍ يحرقُ قلوب السوريين ويُحيُّرُ ألبابهم وأفئدتهم.
سيقول البعض أن أعداد المقاتلين لم تعُد على ماكانت عليه، وأن بعضهم ذهب إلى (داعش)، وآخرين انسحبوا من الميدان، وغير ذلك من المقولات. لن نتساءل هنا: لماذا لم يجتمع اثنا عشر ألفاً، بمعنى (الاجتماع) المقصود في الحديث، عندما كان هناك أكثر من مائتي ألف مقاتل غالبيتهم الساحقة تتحرك بخلفيةٍ (إسلامية)؟ سنتجاوز كل علامات الاستفهام والتعجب حول الوضع في تلك الأيام، ونؤكد أن بضعة عشرات الآلاف لايزالون يحملون السلاح اليوم، وأن هؤلاء يتحركون بهوية (الإسلام) وشعاراته، وأننا لانُدرج أتباع (داعش) بينهم، لكن سؤال السوريين الحارق لايزال يطرح نفسه عليهم، وعلى قادتهم وأصحاب القرار فيهم، وبقوة.
ولاجواب.
لدينا تفسيرُنا الخاص للظاهرة، وهو مكتوبٌ في ثنايا مجموعةٍ من المقالات نُشرت خلال الشهور الماضية، ويتلخصُ في وجودِ إشكاليةٍ كُبرى وجذرية في فهم الإسلام وتنزيله على الواقع. ونحن نعتقدُ أن المشكلة لاتزال موجودةً، وأن الحوارات والمُدارَسات والنصائح التي جَرَت وتجري.. لاتزال تحوم حول (الأعراض) ولاتدخلُ في (الجوهر).. وهذا يجعلنا على يقينٍ مُحزِن بأن القضية لن تجد حلاً على المدى المنظور، ونتحدى بأنه (لن يجتمع اثنا عشرَ ألفاً) من الإسلاميين السوريين على قلب وكلمةٍ رجلٍ واحد في هذا المدى، بالمعنى الشامل لكلمة (الاجتماع)، والذي تعرفه نظرياً جميع الفصائل الإسلامية، ويعرفهُ كل العلماء والشرعيون الذين لهم علاقة بالموضوع بشكلٍ أو بآخر.
لكننا لن نلقي بالاً في هذا المقام لذلك التفسير الخاص، وسنتجاهلهُ بكل تفاصيله، لنتحدث حصراً بِمَنطِق ولُغة ومفاهيم أصحاب العلاقة..
والحقيقة أن الحديث في الموضوع بذلك المنطق وتلك اللغة والمفاهيم يمكن أن يجعل سؤال السوريين الحارق أقربَ لأن يُصبح مدعاةً للجنون.
فهؤلاء يسألون بكل بساطة: هل تجهل الفصائل، بقادتها وشرعييها، واحدةً من أوضح وأسهل القواعد الأساسية المندرجة في أسباب النصر بالمفهوم الإسلامي؟ والمتمثلة في ضرورة الوحدة و(الاجتماع)، وبالتالي ضرورة تجنب الفرقة والتنازع اللذين يؤديان بالضرورة إلى (الفشل وذهاب الريح). إذا كانت هذه الفصائل لا تُدرك فعلاً أهمية هذه القاعدة، فتلك مصيبةٌ تُلقي ظلالاً كبيرةً من الشك على مُجمل دورهم في مجال حركتهم وسبب وجودهم أصلاً، لأنه لا يُتصورُ أن يمتلك أهليةَ العمل فيه من توجد فيه مظنةُ الجهل بتلك القاعدة الواضحة والسهلة. أما إذا كانت الفصائل تُدركها لكنها لا تستطيع العمل بها فالمصيبة أكبر، ويصبح الكلام عاجزاً عن وصفها. فلايبقى إلا سؤال كبيرٌ يصرخ به السوريون في وجوه أصحاب العلاقة: لماذا لاتستطيعون العمل بتلك القاعدة؟
يكاد الموضوع يُصيبك، كسوري، بالسكتة القلبية حين تتحدث في الموضوع بمنطق ولغة ومفاهيم الفصائل الإسلامية نفسها! وتشعر أنك تريد أن تضرب رأسك بالحائط، حين تتذكر أننا نتحدث عن فصائل توجد بينها تقاطعات ومُشتركات واسعة جداً فيما يتعلق برؤيتها الإسلامية، بل إن بعضها يكاد يكون نُسخاً متكررة عن بعضها الآخر! ورغم هذا، (لايزالون مُختلِفين).
كيف يستطيع قادة الفصائل والألوية التي لاتزال قائمةً تفسيرَ هذه الظاهرة شرعاً أو ديناً أو عقلاً؟
أين يجدون المبررات التي تسمح بوجود هذا الواقع وترسيخه في ظل ما يجري لأهلهم وإخوتهم من أبناء سوريا؟
كيف يبقى الوضعُ كما هو عليه، ويظل الحال هو الحال؟ بعد كل المصائب والدروس والتطورات التي حصلت خلال عامٍ واحدٍ فقط.
نتجاهلُ كل منطق، ونجبرُ أنفسنا على القول بأننا (نتفهم) أن يكون وضعُ (الفُرقة) سائداً حين كانت الفصائل تتوزع السيطرة على مناطق واسعة من سوريا، وحين كانت هناك وفرةٌ لابأس بها من الذخيرة والسلاح، وحين كان كل فصيل يشعر أنه قويٌ بنفسه أو في طريقه لأن يصبح أقوى فصيل، وحين كان كل فصيل يشعر أنه (مدعومٌ) من هذه الجهة أو تلك، وحين كان السادة في المجتمع الدولي يضحكون علينا بأنهم (أصدقاء)، وحين كان النظام منكمشاً، وكانت إيران وحزب الله تبحثان عن استراتيجية، وكانت (داعش) مُجرد ظاهرةٍ صوتية..
أما وقد انقلبَ كلﱡ ذلك رأساً على عقب، فكيف يمكن أن تبرر الفصائل استمرار انقسامها، بل وزيادته بالتصدعات التي حَصَلت وتحصلُ حتى في (الجبهات) التي اتَّحدت باسمها، ولو بشكلٍ إعلامي وظاهري؟
وبمنطق ولغة ومفاهيم الفصائل نفسها يكون السؤال مشروعاً جداً: كيف يستطيع قادتها وشرعيوها أن تنام أعينهم لحظةً واحدة من ليلٍ أو نهار؟
دع عنك، للمفارقة، استعادة النظام وحلفائه الغُزاة للمبادرة في بعض المناطق. هذه (داعش) تكاد تأكل الشمال السوري (المُحرر) بأسره بعد أن أكلت الشرق وبدأت تتمدد في الجنوب. وهي تبتلع مناطق وجود الفصائل، والفصائلَ نفسَها، لقمةً لقمة. فماذا ينتظر السادة القادة والعلماء ليتَّحِدوا؟ ماذا ينتظرون بحق الله وباسم كل الأنبياء والشهداء؟
منذ يومين، كتب عضوٌ في المجلس الوطني السوري على صفحة المجلس النداء التالي: "رسالة وصلتني من حلب أضعها بين أيديكم: السلام عليكم دكتور الله يخليك إذا إلك تواصل مع شرفاء المعارضة البارزين خليهم يتحركو.. يطلعو يحكو.. احكو.. اعملو ضجة.. اعملو كل شي.. بلكي الله بفرجها وبساعدونا.. الوضع زفت.. المجازر فظيعة.. والقادم أفظع.. لهلأ ماطلع حدا وقال شو صار بالريف الشمالي.. اتحركو.. اجعلوها لألله".
وفي إجابةٍ ساخرة كأنها سيفٌ ينغرس في الأحشاء، أجابه عضوٌ آخر: "ولايهمُّو وَصل.. هسَّع بنزِّل بيان.. حسبنا الله ونعم الوكيل". كأني بهذا الرجل أرادَ البكاء كالأطفال، لكنَّهُ، وقد جفَّت مآقيه، لم يستطع إلا أن يكتب تعليقه بدلَ ذلك.
ويلٌ لكل من يستطيع أن يفعل شيئاً في هذا المجال، ثم يزهد في ذلك. ويلٌ لهُ في الدنيا والآخرة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store