Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بين الغيب والواقع ( 1ـ2)

الغيب حقٌ إلهيٌ لا يعلمه إنس ولا جان ولا أحد في الوجود ؛ لا نبيُّ مرسل ولا ملكٌ مقرب فقد احتفظ ربّ العزّة بهذا الحق ؛ فالغيب لا يعلمه أحد إلا الله ـ عز وجل ـ فهو القائل في كتابه الكريم : « وَعِنْدَهُ

A A
الغيب حقٌ إلهيٌ لا يعلمه إنس ولا جان ولا أحد في الوجود ؛ لا نبيُّ مرسل ولا ملكٌ مقرب فقد احتفظ ربّ العزّة بهذا الحق ؛ فالغيب لا يعلمه أحد إلا الله ـ عز وجل ـ فهو القائل في كتابه الكريم : « وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ « سورة الأنعام : [59] , فالقضية مسلَّم بها , لا ريبَ فيها .. واليقين الإيماني أن نقول : لا أعلم الغيب , وإنني مؤمن بأن الله ـ تبارك وتعالى ـ وحده هو علَّام الغيوب , الغيب والقدر ملازمان للإنسان في شتى مجالات حياته , ولكننا نرى أناساً يدَّعون أنَّهم على علم ودراية ببواطن الأمور , إلى حد أنهم يشعرونك بأنهم يعرفون ما سوف يحدث غداً أو بعد غد , ويبرهنون على ذلك بما طاب لهم من أحاديث وتكهُّنات لا وجود لها , بل هي من نسج الخيال , وهم يعلمون بل ويوقنون بأنها كذب .. كما قال تعالى : « أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ « سورة المجادلة : [18] , وآخرون يخبرونك بأن لهم أيادي خفيّة تحضر لهم ما يريدونه وكأنهم قد اطَّلعوا على علم الغيب , ويخبرونك بأشياء في الأمور الغيبية والدنيوية متوهمين أو موهومين بأشياء تدور في خواطرهم , ويريدون تحقيق مآرب منك في أنفسهم .
ولو علم هؤلاء أنَّ من يستمع لهم من العقلاء ذوي الإيمان بالواحد الأحد وذوي الخبرة بشمولية الحياة الدنيوية ؛ سوف يلقى ما يسمعه من هذه الفئة الضَّالة في طيّات النسيان ..لو علموا وعرفوا أنَّ ما يتحدثون به قد ذهبت به الرياح ؛ لصمتوا طويلاً , ولو صمتوا لكان خيراً لهم .
نحن ـ معاشر البشر ـ لا نملك شيئا في حقيقة الأمر , ولذلك فحادث قدَرِي قد يقع لنا يجردنا من كل شئ , ولذلك يجب أن نوطن أنفسنا على كل ما هو واقعيّ وثابت في دنيانا , وأن نتفهَّم أمورنا بإيماننا القاطع حتى نسمو بأنفسنا فوق ما يدنّسها , وعلينا أن نريحها من التخيلات التي لا تستند إلى الحقيقة .
ولكن السؤال : لماذا يدَّعي بعضٌ منا المعرفة المستقبلية التي تدخل في دائرة الغيب ؟ ألكونها نزعةً في النفس البشرية بالادّعاء وبالمعرفة ؟ أم لأن الإنسان يطمع في حب الكمال فيدَّعي معرفة كل شئ ؟! ليت هؤلاء يعلمون أنهم ليس لديهم معرفة ولا دراية , وأعتقد أن الأولى لا تُجدي والثانية لا تُغني من جوع , فالإنسان إذا ادَّعى معرفة كلّ شئ فهو لا يعرف في واقع الأمر أي شئ , والثانية أن الإنسان لا يمكن أن يصل إلى درجة الكمال مهما بلغ من العلم والدِّراية ؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد كتب على كل إنسان علامة النقص , فالكمال لله وحده .
وقديماً سُئل حكيم : من العاقل في هذه الدنيا ؟ فقال : الذي يقول : « هناك شئ أجهله وأريد أن أعرفه « فقالوا : إذن يريد أن يعرف ويتلمس المعرفة ولسوف يعرف , قال : « أما الذي يقول قد علمت كل شئ , فهو أجهل الجهلاء وأغبى الأغبياء « ألا فهمنا ما سبق؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store