Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

متى ننتصر؟.. الأولويات

كما توقعت، فقد وصلني كثير من الردود التي اختزلت آليات الانتصار، في بضع كلمات مقتبسة من ذكر حكيم.

A A
كما توقعت، فقد وصلني كثير من الردود التي اختزلت آليات الانتصار، في بضع كلمات مقتبسة من ذكر حكيم. والواقع فمع إيماني بكل تلك الإجابات، إلا أن جوهر الخلل كامن في طبيعة استحضارنا لها، لكونها حاضرة بشكل تلقائي، دون أن نسمح لأنفسنا أن نتفكر في مضامينها، وأن نتدبر مراد الله منها.
من أكثر ما وصلني إجابة لسؤالي على مقالي السابق متى ننتصر؟ متى نتغير؟ قولهم استشهاداً:(إن تنصروا الله ينصركم) و (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وكلا الاستشهادين حق ولا جدال. لكن فهم سياق الإجابتين ومضامينها ودلالاتها هو الذي يجب أن نتوقف عنده.
على أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن فور استحضار تلك الإجابات هو: هل نصر الغرب الله حتى ينصرهم؟ وهل نصر اليهود الله حتى ينصرهم؟ وهل غيَّر أولئك القوم ما بأنفسهم حتى غيَّر الله حالهم؟
ما أريد الإشارة إليه في هذه العُجالة هو أن مكمن إشكالنا كأمة يعود في جزء كبير منه، إلى برمجة أذهاننا وفق إجابات محددة، اختزلناها في ذاكرتنا دون تمحيص وتفكر، وإعادة تأمل لمدلولها، والأخطر أننا أصبحنا نستحضرها بشكل سريع، وكأننا نرمي عجزنا وإخفاقنا عليها، هرباً من تأنيب ضمير، وابتعاد عن محاسبة.
ذلك في تصوري هو عين المأزق الذي نحتاج على صعيد الفرد والمجموع أن نخرج منه، ولا يتأتى ذلك إلا بتوسيع دوائر تفكيرنا وفهمنا لمضامين النص المقدس ابتداء، وأن ندرك أننا كمسلمين مع غيرنا من بني البشر، سواءٌ في عمارة هذه الأرض، والاستفادة من خيراتها، فإن أحسنا ترتيب أولوياتنا، واستفدنا من قوانين السنن الكونية، مع تزكية للنفس وتربية للذات، كُنا بعون الله وقوته في مقدمة كل الأمم. أما إن تخلينا عن فهم مقادير السنن الكونية والأخذ بأسبابها، والعمل على تحقيق متطلباتها، فلن نكون بشيء مذكوراً، مهما طالت تلاوتنا، وكثر دعاؤنا.
إن أي نهضة وتحديث تحتاج ابتداء إلى بناء خطة تنموية واضحة يمكن قياسها، يبتدئ تنفيذها من قاعدة الهرم وليس من رأسه، أي يبتدئ تنفيذها من العشوائيات والأحياء الشعبية، من صغار الموظفين وذوي الدخل المحدود، وفق رؤية سليمة، ومتابعة دقيقة، مع تشريع نظم رادعة، وقوانين زاجرة، وتهيئة تلك المجتمعات فكرياً ومعرفياً وتنموياً لمعايشة الحالة الجديدة من التحديث والتطوير. بمعنى أنه حين تتساوى جودة الخدمة المقدمة في حي متوسط الدخل مع حي يسكنه أهل المال والأعمال، نكون قد خطونا أولى خطوات التنمية الشاملة.
هكذا نخرج من حالة التنظير، وتقاذف التهم، إلى حالة واقعية من التحديث والتغيير، بهدف بناء نهضة مدنية ناصعة. تقوم جذورها من القاع، وتمتد بشكل متدرج للأعلى، دون أن يحدث بين رأس الهرم وقاعدته أي فوارق شاسعة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store