Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الغرب والرسائل الخاطئة مرةً أخرى: قضية جيمس فولي

أيﱡ رسالةٍ تُرسلها أمريكا، والغرب بشكلٍ عام، للعرب والمسلمين، حين ننظر في ردود الأفعال على مقتل الصحفي الأمريكي على يد (داعش) بطريقتها الوحشية المعروفة؟

A A
أيﱡ رسالةٍ تُرسلها أمريكا، والغرب بشكلٍ عام، للعرب والمسلمين، حين ننظر في ردود الأفعال على مقتل الصحفي الأمريكي على يد (داعش) بطريقتها الوحشية المعروفة؟
مرةً تلو أخرى، تضعُنا ممارساتُ مَن يُفترض بهم أن يكونوا (عالَماً أكثرَ إنسانيةً)، لكي لانقول بابتذال (أكثرَ تقدماً).. تضعُنا وجهاً لوجه، لا أمام نفاقهم وانتهازيتهم وازدواجية معاييرهم فقط، بل أمام مأزقٍ بشري يبدونَ، بأفعالهم، مصممين على ترسيخه وتعقيده على جميع المستويات، حتى لو أدﱠى، في نهاية المطاف إلى انفجارٍ عالمي، من الواضح أن غرور القوة يوهمهم باستحالة حصوله.
كل شيءٍ نتج عن الغدر بهذا الإنسان البريء يمكن أن يصبَّ في خيرٍ ما للإنسانية، إلا المعاني الخسيسة الكامنة في الموقف السياسي لأمريكا وأوروبا من هذه القضية. فهي تؤدي إلى عكس ذلك بالتأكيد.
فبعد وفاته، جاءت كلمات والدته لتُعبَّر عن مشاعر عفوية، فيها الكثير من تلك (الإنسانية) التي نبحث عنها، عندما قالت: "لم نكن فخورين بـ (جيمس) أكثرمن فخرنا به اليوم. لقد وهب حياته ساعياً لإطلاع العالم على معاناة الشعب السوري.نرجو من الخاطفين أن يحفظوا أرواح الرهائن الباقين.هم مثل جيمس أبرياء.ليس لديهم القدرة على التحكم بالسياسة الأمريكية الخارجية في العراق وسوريا وأي مكان في العالم.ممتنون لجيمس للسعادة التي وهبنا إياها.حقاً كان ابناً وأخاً وصحفياً وشخصاً استثنائياً."‬
هكذا، بينما دفعَ جيمس حياته ثمناً "لإطلاع العالم على معاناة الشعب السوري"، جلست الحكومات، في أمريكا وأوروبا، تتفرج على هذه المعاناة قرابة أربع سنوات الآن، بغض النظر عن كل الشعارات والوعود الكاذبة، وكل الممارسات السياسية التي لا تدخل إلا في إطار (التهريج) تجاه الشعب السوري في مأساته.
قبل مقتل فولي بقليل، لم يطرف جفنٌ لأمريكا وأوروبا حين قررت الأولى، ولَحِقتها الثانية، تسليح حكومة كردستان، وضرب داعش جوياً، وإرسال المستشارين العسكريين إلى العراق، وإلقاء شحنات مساعدة جوية إلى المهجرين والمتضررين.
حصل هذا بسهولةٍ لاتُصدﱠق، فقط لأن داعش اقتربت من خطوط حمراء حقيقية تتعلق بالمصالح الأمريكية..
لم يحتج الأمر لا إلى اجتماعات مجلس أمن، ولا لمؤتمرات دولية، ولا لتشكيل جماعة أصدقاء.. ولم يتطلب استخدام الكذب والنفاق والمناورات السياسية وتوزيع الأدوار بخصوص التعنت الروسي والرفض الصيني، و..(التعقيدات) الداخلية في أمريكا وأوروبا.
وبعد مقتل الرجل، أمكن بسرعةٍ قياسية عقدُ اجتماعٍ لمجلس الأمن تبنَّى في جلسةٍ واحدة، دون كثيرٍ من الجدال، وبالإجماع، وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح استخدام القوة لتنفيذه "نزع سلاح وتفكيك داعش وجبهة النصرة.. بشكل فوري و وقف الأعمال الإرهابية"!..
ينظرُ الشعب السوري، الذي قدمَ أكثر من مائتي ألف شهيد على مذبح الحرية، وعلى يد نظامٍ رسمي إرهابي، إلى هذا المشهد السوريالي وهو لايكاد يُصدق ماترى عيناه.
أيﱡ رسالةٍ يُرسلها هذا المشهد، بكل مفارقاته وتناقضاته مع الحد الأدنى من مقتضيات الأخلاق والقانون، ليس فقط إلى الشعب السوري، بل وإلى جميع شعوب العالم؟
"نحن لا نتحرك إلا عندما تُمس شعرةٌ في رأسنا، أما غير ذلك فلتذهب الشعوب الباحثة عن الحرية إلى الجحيم، ومعها كل شعاراتنا عن الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان. هكذا كانت القاعدة دائماً، وهكذا هي الآن، وهكذا ستكون. افهموها أيها الأغبياء".
هذا، بكل اختصار ووضوح، مضمون الرسالة الكامنة فيما يجري من مهزلةٍ تُسمى "سياسة دولية" في منطقتنا العربية.
كيف يمكن لأحدٍ، بعد هذا، أن يحارب التطرف في المنطقة بشكلٍ حقيقي؟ كيف يمكن لكل المعتدلين الإسلاميين، ومعهم المعتدلون الليبراليون والعلمانيون والديمقراطيون وو.. أن يُقنعوا ملايين العرب والمسلمين بأن قَدَرهم مع الغرب، تحديداً، والعالم بشكلٍ عام، ليس الخصومة والحربَ والصراع؟ كيف يمكن، في ظل هذه المهزلة العالمية القميئة، أن يُركِّز هؤلاء، وأي مُصلحٍ كان، على إصلاح الفكر التقليدي السائد، دينياً كان أو غير ذلك، وفي تبيان إشكالاته والإشارة إلى جذور ظاهرة التطرف والإرهاب فيه؟
لسنا هنا في معرض الشكوى أو استجداء الحلول ممن كانوا ولايزالون جزءاً كبيراً من المشكلة: حكومات وساسة أمريكا وأوروبا. وسيظل من يحاولون الإصلاح من أهل المنطقة، أياً كانت خلفيتهم وانتماؤهم، يبذلون مايستطيعون من جهد على طريق الإصلاح.
لكن المطلوب في هذا المقام يتجاوز ذلك إلى أمرٍ، قد يبدو مثالياً، لكنه بالتأكيد أحد الخيارات القليلة المتاحة: التحالفُ مع الضمير الأخلاقي والحقوقي والإنساني في أوروبا وأمريكا، والعالم، والذي تُمثله كلمات والدة جيمس فولي والمعاني الكامنة فيها.
فغرورُ القوة، لدى تلك الحكومات وهؤلاء الساسة، كبيرٌ فعلاً إلى درجةٍ تُعمي أعينهم عن المأزق (الأخلاقي) العالمي الذي يسحبونَ البشرية بأسرِها إليه. ومن الطبيعي، تبعاً لذلك، افتقادُ القدرة لديهم على رؤية احتمالات تحوﱡل ذلك المأزق إلى مأزقٍ سياسي وأمني عابرٍ للقارات، في ظل عولمةٍ غابت معها الحدودُ والموانع، وأصبحت أدواتُها مُتاحةً لكل إنسان وجماعة.
يُغفِلُ هؤلاء، تحت ضغط غرورهم بالقدرة على التحكم بالظواهر البشرية، وعلى ضبطها واستيعابها، أنﱠ الاجتماع البشري مُعقدٌ إلى درجةٍ تجعله، في ظروف معينة، طليقاً جداً من كل القيود. وأن الضغط المستمر، خاصةً حين يحصلُ بوقاحةٍ وصفاقةٍ ليس لها نظير، يمكن أن يُفجِّر في ذلك الاجتماع البشري طاقةً هائلةً تخرج في شكل رد فعلٍ على ذلك الضغط. وأن هذا قابلٌ للحصول بتسارعٍ وقوةٍ يكونان خارج أي حسابات.. حصلَ هذا عشرات المرات في تاريخ البشرية، ويمكن له أن يحصل على الدوام.
ثمة ضميرٌ أخلاقي وحقوقي وإنساني كبيرٌ في هذا العالم الواسع يجب التفكير في التواصل معه بجدية، وهذا الضمير موجودٌ في أوروبا وأمريكا رغم كل الظواهر، فكما كتب أحد الأصدقاء: "التعليقات الغربية، التي جاوزت ستة آلاف تعليق، على صفحة الحرية لجيمس فولي كانت تتمحورحول التعاطف مع الشعب السوري والصلاة لروح جيمس.نادراً ما تجد غضباً أوانفعالاً يتعلق بوصف الإسلام بأنه شرير. ربما تكون استفاقةً مهمة في الوعي الغربي العام ضد التنميط الذي تجذرلعقود".
ذَكَرنا من قبل أن كل شيءٍ نتج عن الغدر بهذا الإنسان البريء يمكن أن يصبَّ في خيرٍ ما للإنسانية. لم لا نحاول إذاً أن نصل إلى ذلك الضمير العالمي، ونتحالف معه، كأحد الخيارات القليلة المُتاحة أمام الجميع؟
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store