Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ساهر.. نعم للشفافية ونعم للترصد

رغم أن خبر تحويل رصد مخالفات "ساهر" الى شركة حكومية لم يتضمن كثيراً من التفاصيل، الا أني سعدت كثيراً به أملاً مني أن يساهم ذلك في تخفيف حدة الانتقادات له والتي يمكنني القول بأنني عانيت شخصياً منها كثي

A A
رغم أن خبر تحويل رصد مخالفات "ساهر" الى شركة حكومية لم يتضمن كثيراً من التفاصيل، الا أني سعدت كثيراً به أملاً مني أن يساهم ذلك في تخفيف حدة الانتقادات له والتي يمكنني القول بأنني عانيت شخصياً منها كثيراً خاصة على تويتر باعتباري أحد مؤيدي "ساهر" لدرجة وصفني فيها الزميل الإعلامي عمر المضواحي بأني من "صقور أنصار ساهر" وأراه محقاً في ذلك.
دخلت مؤخراً في نقاش طويل حول هذا النظام الذي لا تُعَد فكرته غريبة بالنسبة لي حيث عرفته خلال وجودي في أمريكا لأكثر من 13 سنة مسبباً لي الرعب كلما قدت سيارتي، ولكن دون أن يؤدي ذلك لأخذي موقفاً عدائياً منه بأي شكل من الأشكال. كانت هناك في كل شارع اشارة صغيرة واضحة تحدد السرعة القصوى ولا يُقبل عذر السائق المخالف بعدم رؤيتها، وأذكر كيف كان الشرطي يخفي سيارته خلف الأشجار وفي المنعطفات والمنحدرات مترصداً متجاوزي السرعة بجهاز رادار يحمله في يده. لم أسمع يوماً أحداً يذم أو ينتقد ذلك، بل على العكس كان السكان في الأحياء هم من يطالبون به عند ملاحظتهم أي قيادة متهورة في منطقتهم، وتعلمت منهم تحية الشرطي كلما مررت بجواره ليس تزلفاً له ولكن تعبيراً عن الشكر والتقدير للخدمة التي يقدمها لنا ولعوائلنا في الحي بردعه للسائقين المتهورين وعقابهم. كانت السرعة القصوى في بعض المناطق تنخفض فجأة من 40 ميلاً أو أكثر الى 20 ميلاً لوجود مدرسة أو دار عبادة، ويتم تنبيه السائقين بلوحة ضوئية بالسرعة الجديدة.
عندما أقارن قيادة السيارة في أمريكا وأخلاق السائقين وانضباطهم هناك مع ما أراه في شوارعنا ينتابني إحباط شديد لعدم وجود أي مجال للمقارنة، وهذا أحد أسباب استغرابي من مقاومة الناس لدينا لساهر رغم مساهمته في جعل طرقهم أكثر أماناً لهم ولأسرهم!
الحقيقة أني سمعت كثيراً من التبريرات التي لا يخلو بعضها من منطق، وتبريرات أخرى ضعيفة وغير مقنعة اطلاقاً، في حين أن هناك تبريرات تنم عن حالة استياء وتذمر من أمور أخرى تستحق التفسير ومنها على سبيل المثال تساؤل متكرر مفاده لماذا هذا الحماس والسرعة في تطبيق ساهر الخاص برصد السرعة رغم أن معاناة الناس الأكبر هي من القيادة المتهورة والقيادة العدوانية التي وصلت لحد تسميتها بإرهاب الشوارع. مثيرو هذا التساؤل يرون أن السبب هو أن رصد السرعة يعتبر مصدراً لجني الأموال من الناس أكثر من غيره. والحقيقة كما أراها أنا هي أن تكنولوجيا رصد السرعة متاحة ومتطورة ويسهل تنفيذها، إضافة لسبب آخر هو غياب المرور وسلبيته وعدم قدرته على التعامل بحزم مع ظاهرة القيادة المتهورة والعدوانية.
من الأسباب الأخرى لمقاومة "ساهر" كما يردد معارضوه: غياب الشفافية وعدم تخصيص جزء من الدخل لتحسين الطرق وزيادة سلامتها، اضافة الى الترصد وتدبيل المخالفات. وأنا اتفق مع السببين الأولين وهما غياب شفافية النظام والحاجة لتوجيه جزء من دخله لزيادة سلامة الطرق. لكني في المقابل أؤيد تغريم المتأخرين في السداد بالحد الاعلى للمخالفة (تدبيل الغرامة)، كما أني أؤيد "الترصد" بل وأرفض بشدة وضع لوحات تنبيه قبل الكاميرات، حيث يجب الاكتفاء بلوحات تحديد السرعة القصوى فقط لأن التنبيه يساعد المخالفين ويفقد النظام فاعليته. ورغم أن كثيراً من الدول تضع لوحات تنبيه الا أن ذلك ينبغي أخذه على أنه بادرة تعاون مع السائقين وليس حقاً من حقوقهم، مع الأخذ دوماً في الاعتبار حقيقة أن "ساهر" لا يغرم أحداً سوى المخالفين.
ومن باب الانصاف والمقارنة فقد اطلعت على الانترنت على أنظمة رصد سرعة في دول أخرى ولفت نظري النظام المتبع في ولاية فيكتوريا الاسترالية والذي أذهلني بشفافيته وتوفيره لأدق التفاصيل بدءاً من نشأة النظام ثم تعيين الحكومة لموظف مستقل يحمل مسمى (مفوض كاميرات سلامة الطرق) والذي كَتَب على صفحة الانترنت التابعة للجهاز الذي يديره رؤية الجهاز وأهدافه وقيمه التي يتعهد بالالتزام بها وهي: الشفافية والنزاهة والمسؤولية والاستقلالية. كما حدد المهام التي يقوم بها ومنها تقديم تقارير ضمان الجودة للنظام واجراءاته ودراسة وتحليل الأرقام والاحصاءات الخاصة به. هذه التقارير يجب أن تتم مرة على الأقل سنوياً وتُرفع مباشرة الى وزير العدل، كما يتم نشرها للعموم. الجهاز مكلف أيضاً بادارة الشكاوى والتي يمكن للناس ارسالها بسهولة عبر الموقع أو بالبريد الإلكتروني. الموقع يتضمن أيضاً خريطة تحدد مواقع جميع الكاميرات الثابتة والمتحركة وأسباب اختيار كل موقع، وهناك أيضاً قسم لإحصاءات الشكاوى والغرامات المحصلة والمبلغ المحصل من كل موقع (كاميرا) وعدد وتصنيف الحوادث فيه.
وبالرغم من كل هذا التنظيم وهذه الشفافية فإن نظام رصد السرعة في فيكتوريا لم يسلم من الانتقاد، ومن ذلك انتقادات حادة وجهها له (جريج باربر) عضو البرلمان الأسترالي واعترض فيها بشدة على فكرة تنبيه السائقين بوجود كاميرا مبرراً ذلك بأنه السبب الرئيس لزيادة الحوادث وإفقاد كاميرات الرصد فاعليتها، وطالب بإزالة جميع لوحات التنبيه.
الاطلاع على نظام رصد السرعة في ولاية فيكتوريا الأسترالية يجعلني أشعر بأن نظام "ساهر" الخاص بنا عبارة عن صندوق أسود مغلق لا يريد للناس أن تعرف سوى معلومة واحدة وهي تلك التي يقوم بارسالها لهم على جوالاتهم وتقول لهم "الرجاء سداد مخالفة رقم (...)على هوية رقم(....) قبل ارتفاع قيمتها للحد الأعلى.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store