Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ثقافة السلام .. ومساحة الحب أم الكراهية في قلوبنا؟

"لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام".

A A
"لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام".
استوقفتني كثيراً هذه العبارة أثناء قراءتي لبعض القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منتدى "ثقافة السلام" للعام الماضي، حيث تم استهلال التقرير بهذه العبارة التي تم اقتباسها من الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
هل فعلاً تتولد الحروب أولاً في عقول الناس قبل أن تشتعل على الأرض، وهل بالإمكان عكس ذلك الاتجاه من خلال بناء حصون للسلام في تلك العقول؟
كنت أتمنى أن أجد تفسيراً واجابة لهذه التساؤلات الهامة من اليونسكو نفسها والتي أوردت العبارة ضمن ميثاقها التأسيسي، غير أني سأكتفي فيما يلي بالإشارة الى بعض النقاط الرئيسية ذات العلاقة والتي أشار اليها تقرير الجمعية العامة عن ثقافة السلام.
•على السلطات المعنية أن توفر في مدارس الأطفال تعليماً يناسب أعمارهم ويبني ثقافة للسلام ويشمل دروساً في التفاهم والمواطنة الايجابية وحقوق الإنسان.
•أهمية إشراك جميع الأطراف المعنية، بمن فيهم الشباب والنساء في الحوار بين الأديان والثقافات بهدف التصدي لمظاهر التعصب وتحسين سبل التفاهم.
•أهمية وسائط الإعلام في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، والتشديد على حق كل شخص في حرية التعبير، والتأكيد أن ممارسة هذا الحق تنطوي على واجبات ومسؤوليات خاصة، وقد تخضع من ثم لقيود معينة لا تتجاوز ما ينص عليه القانون وما يقتضيه احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الحفاظ على الصحة أو الآداب العامة.
•التأكيد على الدور الهام للمجتمع المدني، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية، في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات.
•التأكيد على أهمية الاعتدال كقيمة داخل المجتمعات لمواجهة التطرف وزيادة تعزيز الحوار والتسامح بين الأديان والثقافات.
هذه كانت بعض النقاط الهامة التي وردت في التقرير وتهدف الى بناء "حصون السلام" في عقول الناس وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح والتصدي لثقافة العنف والكراهية.
لقد قامت المملكة في هذا الصدد بخطوات كبيرة لم تقدم مثلها أي دولة أخرى، أذكر من ذلك جهود ومبادرات خادم الحرمين الشريفين في تأسيس آليات للحوار على المستوى الإسلامي من خلال مؤتمر مكة المكرمة عام 2008، ثم رعايته حفظه الله لمؤتمر مدريد العالمي للحوار الذي توجت أعماله بتأسيس الحوار العالمي بين أتباع الأديان والثقافات، والذي تلاه عام 2011 إنشاء مركز الملك عبدالله العالمي للحوار في العاصمة النمساوية بشراكة تضم المملكة والنمسا وأسبانيا. كما احتضنت المملكة المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في الرياض عام 2005 والذي أقر تأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في الرياض، وتبرع له خادم الحرمين الشريفين بمبلغ عشرة ملايين دولار عند التأسيس، ثم مؤخراً مائة مليون دولار، أعلن عنها خلال الكلمة المعبرة التي وجهها للأمة الإسلامية والعربية بمناسبة عيد الفطر المبارك هذا العام، وتضمنت رسائل ومؤشرات غاية في الأهمية تعكس الواقع الأليم الذي تعيشه الأمة، واستشراء التحزب الديني وتجيير الدين لتحقيق مصالح سياسية عن طريق التزييف والتدليس والانحراف الفكري.
أخيراً، فان كل تلك الجهود التي تقوم بها القيادة والمنظمات الدولية لن تكون كافية مع كل هذه النيران التي تشتعل في المنطقة، وانتشار الطائفية والعنصرية ولغة الكراهية للآخر على وسائل الاعلام وشبكات التواصل. إن المطلوب بالاضافة الى كل ما سبق هو خطوات حقيقية ومخلصة تقوم بها الجهات المعنية لزرع ثقافة السلام واللاعنف في عقول الأطفال، وتوعية الشباب والشابات وإشراكهم في قرارات بناء جسور التسامح وقبول الآخر. كما ينبغي أيضا على كل المؤثرين من مشايخ ومثقفين وإعلاميين وغيرهم، أن يكونوا هم أنفسهم أولاً قدوة للآخرين وأن يتوقفوا عن قول ونشر أي شيء من شأنه تأجيج الطائفية أو العنصرية القائمة على أسس من دين أو لون أو جنس أو عرق.
هل هذا ممكن أم أنها مجرد دعوة مثالية حالمة؟
أنا أراها دعوة واقعية وممكنة.. فاذا كانت دعوات الكراهية تنتشر مثل النار في الهشيم، فان الدعوة للحب والسلام لا بد أن تكون أقوى وأسرع وأقدر على دخول قلوب الناس وعقولهم.
إنها دعوة لتغليب الحب والسلام على الكراهية والعنف.. دعوة نثبت فيها للعالم ولأنفسنا بأن مساحة الحب في قلوبنا أكبر بكثير من مساحة الكراهية، وبأن قدرتنا على التسامح تفوق كثيراً قدرتنا على العنف.
لنبدأ اذاً بذلك دون تردد.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store