Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل المسلمون متسامحون؟!

أدرك تمامًا أن كثيرًا من الردود التي ستصلني على سؤالي: "هل المسلمون متسامحون؟" سوف تؤكد لي أن الإسلام هو دين عالمي يُخاطب برسالته البشرية جمعاء، وأنه دين إخاء وتسامح بين كل الناس، بغض النظر عن أجناسهم

A A
أدرك تمامًا أن كثيرًا من الردود التي ستصلني على سؤالي: "هل المسلمون متسامحون؟" سوف تؤكد لي أن الإسلام هو دين عالمي يُخاطب برسالته البشرية جمعاء، وأنه دين إخاء وتسامح بين كل الناس، بغض النظر عن أجناسهم ومعتقداتهم وألوانهم. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلاّ بالتقوى).
فاختلاف الناس في أجناسهم ولغاتهم وألوانهم ومعتقداتهم ليس مبررًا في الإسلام للنزاعات والصراعات بين الأمم والشعوب المختلفة، بل على العكس من ذلك هو دافع للتعارف والتآلف. ليس هذا فحسب، بل إن الإسلام يطلب من أتباعه ويحثهم على ممارسة العدل والإنصاف مع الآخر، وفي هذا يقول تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). وقد كان الإسلام سبَّاقًا في الدعوة للحوار بين الحضارات والأديان، فقال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). ولم يكتفِ القرآن الكريم بهذه الدعوة للحوار بين الأديان، بل أمر أتباعه بأن يكون ذلك الحوار في أحسن صوره فقال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). كما كفل الإسلام للغير حرية دينهم فقال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وقال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).
تلك كانت مجرد بعض الأدلة القاطعة على سماحة الدين الإسلامي وتسامحه وانفتاحه على التعددية الدينية والثقافية وترسيخ مبادئ السلام مع الآخرين.
كل ما سبق صحيح ولا خلاف أبدًا على أن الإسلام هو دين الرحمة والتسامح.. ولكن سؤالي من البداية لم يكن عن سماحة الإسلام، بل عن سماحة المسلمين. هل المسلم اليوم متسامح بطبعه مع غير المسلم، بل هل المسلم متسامح مع المسلم الآخر من غير مذهبه وطائفته. هل نحن مجتمعات متسامحة مع المرأة والطفل، هل نحمل في نفوسنا تعصب وعنصرية قائمة على لون أو عرق أو انتماء قبلي؟ وقبل الإجابة عن كل تلك التساؤلات، دعوني أسأل أيضًا هذا السؤال الهام والأساس جدًّا: لو ذهبنا إلى مدارسنا المتوسطة أو الثانوية وسألنا عينة من الطلاب بها ما هو معنى التسامح، وما هو معنى التعصب والعنصرية، فكم منهم سيعرف الإجابة الصحيحة؟
لقد تعلمنا في الجامعة أن حل أي مشكلة هو أمر غير ممكن دون البدء أولاً بتحديدها والاعتراف بها. ومشكلتنا اليوم كمسلمين أننا أصبحنا أبعد ما نكون عن التسامح الذي دعا إليه ديننا العظيم. وسأكون صريحًا لدرجة الألم بالقول بأن ما تقوم به داعش لم يأتِ من فراغ، بل إن في كل دولة عربية ومسلمة كتائب من "الدواعش" لا يمنعها عن جز رؤوس مخالفيها والتنكيل بهم إلاّ الخوف من القانون. نعم، التسامح لايزال موجودًا بيننا -ولله الحمد- ولكن عدم التسامح والتعصب والعنصرية هي السائدة للأسف في مجتمعاتنا، حتى لو حاولنا إنكار ذلك أو إيجاد التبريرات المختلفة لها.
أمّا التعليم، فإننا لو سألنا أي طالب في المرحلة الابتدائية بمدارس الغرب عن مفهوم التسامح والعنصرية لعرف الإجابة فورًا، بينما أجزم أن أغلب طلابنا لن يمكنهم معرفة الإجابة الصحيحة لهذين المفهومين، وهذا جزء من المشكلة، فطلابنا يمكنهم بسهولة تذكر الأدلة التي تحث على الجهاد والقتال، لكنهم لا يتذكرون أو يعرفون الأدلة التي تأمر بالرأفة والرحمة وحسن معاملة الآخر.
مشكلة عدم التسامح بيننا أصبحت واضحة وضوح الشمس ويمكن لمسها في كل زاوية ننظر إليها: في الشارع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، في أروقة المحاكم، في مناطق النزاعات المختلفة، في قصص غير معزولة ذات دلالات كقصة مبتعث الدراسات العليا في اليابان محطم التماثيل البوذية، بل وحتى في تعاملنا مع مخلوقات الله الأخرى كالحيوانات، والتي انتشرت لقطات تعذيب بعضنا لها على اليوتيوب.
إن التسامح صفة مكتسبة لا تولد مع الإنسان لكنه يتشربها ويتعلمها من المحيط الذي يعيش فيه، بدءًا من البيت، وامتدادًا إلى المدرسة ووسائل الإعلام والقوانين المرعية التي تجرّم العنف والعنصرية والطائفية.
ختامًا، فإن علاج مرض "نقص التسامح المكتسب" في مجتمعاتنا يستلزم جهودًا حقيقية ومتواصلة، واهتمامًا لا يقل عن اهتمامنا ببرامج الوقاية من أخطر الأمراض المعدية مثل مرض "نقص المناعة المكتسب".
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store