Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

نعم.. الجامعات التقنيّة هي الحل!

منذ أن بدأت أُسطّر بعضًا من رؤاي الأكاديمية، ما تعوّدت أن أطرح رؤية معينة تحت عنوان كعنوان هذه المقالة.

A A
منذ أن بدأت أُسطّر بعضًا من رؤاي الأكاديمية، ما تعوّدت أن أطرح رؤية معينة تحت عنوان كعنوان هذه المقالة. فكثيرًا ما كنتُ أحلل، وأقترح، وأوصي عند تناولي لبعض القضايا الأكاديمية، وكنتُ أترك للقارئ سواءً من المسؤولين في التعليم العالي، أو من عموم المهتمين في شرائح المجتمع المختلفة، أترك لكل هؤلاء الخروج بما يريدون من نتائج، وأحيانًا تكون الرسالة غير مباشرة، واللبيب بالإشارة يفهم. أمّا في هذا المقال/ الرؤية، على غير العادة، أتحدّث بصورة مباشرة لأنني على يقين من أهمية وصحة ما سطرته حول العنوان أعلاه.
إن البديل للجامعات التقنية هو واقع "التعليم المهني والتقني" الحالي والذي لم يُلبِّ حاجات المجتمع كما أرادها صاحب القرار. هذا الواقع المتعثر تمثله مؤسسة حكومية أُنشئت منذ عام 1400هـ، وأُسندت لها مجالات التدريب التقني والمهني تحت مظلة واحدة هي "المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني"، حيث كان التدريب قبل ذلك موزَّعًا بين ثلاث جهات حكومية، فوزارة المعارف كانت تتحمّل مسؤولية التعليم الفني (صناعي، زراعي، تجاري)، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية التدريب المهني (مراكز التدريب المهني)، ووزارة الشؤون البلدية والقروية (معاهد المساعدين).
سوف أنقل لكم ملاحظات مخلصة وأمينة حول واقع المؤسسة مع فارق عشر سنوات بين تلكما المشاهدتين، حيث لم يتغير الحال أبدًا:
الأولى: كتبت الأستاذة ناهد باشطح عام 2004م في صحيفة الرياض مقالاً بعنوان "المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني عثرة في طريق الإصلاح"، وفيه قالت: (هذه المقالة هي رسالة إلى الوطن.. رسالة كل شاب حلم أن يجد في وطنه مكانًا يتلمّس فيه طريق المستقبل.. ويستطيع أن يكون كريمًا وحرًّا...). وأسهبت الكاتبة في حديثها عن ضعف المؤسسة مُدعّمة بالأرقام، ثم ختمت قائلة: (لا بديل عن إصلاح حال المؤسسة إن أريد لها المساهمة في بناء الإنسان السعودي كما يجب).
الثانية: كتب الأستاذ أحمد هاشم في صحيفة الشرق بتاريخ 28 مارس 2013 م مقالاً بعنوان "ضحايا مؤسسة التدريب!"، وفيه قال: (من حقنا كمجتمع أن نسأل -معاليه- بعد كل تلك السنوات من إنشاء "المؤسسة" أين هم خريجو مؤسسته؟ ولماذا لا نشاهد ميكانيكيين، وسبّاكين، وحدّادين، ونجّارين، وكهربائيين سعوديين في السوق؟ لماذا تتزايد أعداد العمالة الوافدة من أصحاب تلك المهن التي تعكف "المؤسسة" منذ عشرات السنوات على سعودتها؟)، وبعد إسهابه الحديث عن هدر ميزانياتها الكبيرة، وتسرب طلبتها ومدربيها يوصي بـ(ضم المعاهد والكليات التي تتبع لتلك "المؤسسة" إلى التعليم العالي أسوة بما حدث مع كليات المعلمين والكليات الصحية؛ وهذا هو الحل الأنجع لمعالجة الأخطاء المتكررة، وذلك الهدر المالي).
ودعوني أُجبْ عن تساؤل افتراضي مشروع، وهو: ما الفرق بين الكليات التقنية التابعة للمؤسسة، وبين الجامعات التقنية المقترحة، التي ستكون تابعة لوزارة التعليم العالي؟ فأقول:
* لم تستطع المؤسسة على امتداد العقود المنصرمة من تكوين بيئة أكاديمية جاذبة للطلبة وللأساتذة (المدربين). بل إنها وبشهادة العشرات، بل المئات من منسوبيها أضحت بيئة طاردة بكل معنى الكلمة.
* لقد عوّدتنا مجتمعاتنا، كغيرها من المجتمعات العربية والشرقية، أن الالتحاق بالجامعة هو غاية ما يتمنّى ويطمح إليه خريج الثانوية. وقد لا يكون ذلك صحيحًا، لكن هذا الواقع انعكس بقوة ووضوح على الإقبال الضعيف والمتردد لخريجي الثانوية على كليات ومعاهد المؤسسة، كما ظهر في نسب التسرّب العالية لمن التحقوا بها ابتداءً. بل ونلحظ بوضوح أن من يلتحق بها إنما أجبرته ظروف معدلات تخرجه المتدنية على الالتحاق بها، وليس عن رغبة جامحة وواضحة وأكيدة، وهذا سينعكس سلبًا على مستوى التحصيل والأداء الشخصي، بل والأخلاقي للطالب كخريج فيما بعد.
* المؤسسة تحدثت كثيرًا عن مشروعات التعاون الدولي والبحث العلمي، وللحقيقة فالكليات التقنية كان من الممكن أن تتميز بقوة في هذا الجانب، خصوصًا لجهة التطوير الصناعي والهندسي والمهني، كما هو الحال لمثيلاتها في دول مثل: ألمانيا، والهند، والفلبين، لكن واقع الحال بعيد عن ذلك كل البُعد.
أستطيع أن أتكلم كثيرًا عمّا كان يجب أن يكون عليه حال المؤسسة وكلياتها، إلاّ أنه لم يتحقق، وليعذرني من أحبهم وأجلهم في المؤسسة على صراحتي ووضوحي، وإن كان المقام هو توضيح الرؤية والتأكيد على أهمية إنشاء "الجامعات التقنية" وطرحها كبديل إستراتيجي وصروح للعلم والمعرفة وخدمة المجتمع، وتلبية احتياجاته بشكل مباشر، وليس نقد المؤسسة وكلياتها.
يقيني أن الجامعات التقنية سوف تعالج نقاط الضعف أعلاه وغيرها كثير، وسوف يقبل طلبتها بروح تنافسية، وسوف تستقطب المهتمين والمتميزين من الطلبة. وكعادة مؤسسات التعليم العالي فإن ضبط الجودة والاهتمام بالبحث العلمي والدراسات العليا أمور لا يمكن للجامعات التقنية إلاّ أن تهتم بها، بل وتتميّز فيها عن غيرها من الجامعات النمطية الشمولية الحالية. ولكم أن تقارنوا حال كليات المعلمين وكليات رئاسة تعليم البنات والكليات الصحية قبل وبعد ضمها إلى وزارة التعليم العالي.
أخيرًا: في ضوء ما صُرف من أموال، وما سوف يُصرف على المؤسسة وكلياتها في السنوات المقبلة، وهي ميزانيات كبيرة، فإنه يمكن توجيه هذا الصرف المالي لإنشاء أربع جامعات تقنية، خصوصًا أن وزارة التعليم العالي تخطط لإنشاء المزيد من الجامعات خلال المستقبل القريب. فلتكن تلك الجامعات المزمع إنشاؤها جامعات تقنية، تواكب تطلعات وطموح ولاة الأمر، وتلبي حاجات أبنائنا الطلبة ومدربيهم (أساتذتهم حينذاك)، وتعزز ثقتهم بأنفسهم، كما توفر لهم البيئة المناسبة للإبداع والتميّز.. جامعاتنا التقنية القادمة هي بمثابة طوق النجاة لإنقاذ المؤسسة والفكرة السامية التي بنيت عليها.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store