Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المواطنة في ظل العولمة وشبكات التواصل الاجتماعي

أمعنت التفكير كثيراً عندما سألت ابنيَّ عن فريقهما الرياضي المفضل ،فأجاب الأول قائلاً بأنه "أرسنال" الإنجليزي، في حين أجاب الآخر بأنه "تشيلساوي" نسبة الى فريق تشيلسي الانجليزي.

A A
أمعنت التفكير كثيراً عندما سألت ابنيَّ عن فريقهما الرياضي المفضل ،فأجاب الأول قائلاً بأنه "أرسنال" الإنجليزي، في حين أجاب الآخر بأنه "تشيلساوي" نسبة الى فريق تشيلسي الانجليزي. أما بقية أصدقائهما فقد تراوحت إجاباتهم بين "برشلونة" و "ريال مدريد" الأسبانيين، و "انترميلان" أو "روما" الايطاليين، وبالكاد تمت الاشارة بعد ذلك الى أسماء فرقنا المحلية التي تحظى دون جدال بشعبية كبيرة، لكن شعبية بعض تلك الفرق العالمية لا تقل عنها ما لم تكن تتفوق عليها، وأخص بالذكر فرق مثل "ريال مدريد" و"برشلونة" الذي ينتشر مشجعوهما في جميع مناطق المملكة.
هذه الإجابات التي سمعتها ليست في اعتقادي مجرد شأن بسيط لا يستحق الالتفات اليه أو أنه عبارة عن حالات معزولة لا يمكن تعميمها، لأنها تعكس في الواقع قمة جبل جليد العولمة وتأثيراتها المختلفة التي طالت معظم المجتمعات في العالم بدون استثناء، ليس على الصعيد الرياضي فحسب، بل على كافة الأصعدة الأخرى الاقتصادية والسياسية والثقافية وسواها.
تأثيرات العولمة تلك تناولها الكثيرون بالبحث والدراسة واختلفوا حولها بين مؤيد ومعارض ومحب وكاره.. وأنا في مقالي هذا أسعى فقط الى تسليط الضوء على جانب من جوانب تلك التأثيرات التي ظهرت مؤخراً بوضوح على السطح نتيجة للتوسع في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ألا وهو التأثيرات على الهوية الثقاقية والوطنية والتي كانت محوراً للنقاش والجدال، بل وأصبحت أداة يستخدمها كل طرف في تسجيل النقاط على الطرف الآخر لدرجة تصل الى انتشار ظاهرة تجريد الآخر من وطنيته لأسباب قد تكون عنصرية أو طائفية أو مذهبية، أو لمجرد الاختلاف في الرأي حول توجهات فكرية أو قضايا مجتمعية محددة.
سأبدأ أولاً بتقديم ايضاح سريع لمفهوم العولمة اضافة لمفهوم الوطنية ومفهومي المواطنة والهوية المرتبطين به:
أولا، العولمة Globalization : ومن تعريفاتها أنها "الحركة الاجتماعية التي تتضمن انكماش البعدين الزماني والمكاني مما يجعل العالم يبدو صغيراً الى درجة تحتم على البشر التقارب في كل شيء". كما يعرفها البعض بأنها "التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والسلوك، دون اعتداد بالحدود السياسية أو الانتماء لوطن محدد أو دولة معينة، ودون الحاجة الى اجراءات حكومية". وترجمة الكلمة بالانجليزية تعني التعميم من حالة الفرقة الى حالة التوحد ومن حالة الاختلاف الى حالة التماثل، بحيث يتشكل وعي وقيم موحدة تقوم على مواثيق انسانية عالمية عامة.
ثانيا، المواطنة Citizenship : وتعرفها دائرة المعارف البريطانية بأنها "علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة بما يتضمنه ذلك من واجبات وحقوق".
ثالثا، الوطنية Patriotism : وتعني حب الوطن والاخلاص والتضحية له وتقديم مصلحته على أي شيء آخر.
رابعا، الهوية Identity : وهي الصفات الجوهرية التي تميز الشخص عن غيره. والهوية الثقافية لأي شعب هي السمات العامة المشتركة التي تميز حضارته عن غيرها من الحضارات. ويرى البعض أن هوية أي مجتمع تتضمن مكونات ثابتة وأخرى قابلة للتغيير.. فالدين واللغة مثلا هما من الثوابت الراسخة، بينما العادات والقيم وطرق التفكير قابلة للتغيير وفقاً لحركة المجتمع وتفاعله مع محيطه الخارجي.
ويتضمن مفهوم (المواطنة) التزاماً أخلاقياً تجاه الوطن الذي يعيش فيه الانسان وذلك بدءاً بالحب له وانتهاءً بالولاء والإخلاص والشعور بالانتماء له وتقديم ذلك على أي ولاء لطائفية أو قبلية أو مناطقية أو حزبية، وهذا بمعنى آخر هو فحوى (المواطنة).
وبالرغم من كل المزايا التي جاءت بها العولمة الا أنها لا تخلو من تأثيرات سلبية لا يمكن إغفالها أو تجاهلها. والحقيقة أن تلك التأثيرات لا تقتصر على تعلق صغارنا وشبابنا بمظاهر الثقافة الغربية من رياضة وموسيقى وسينما وأزياء، ولكنها تمتد لتشمل مظاهر أخرى يمكن رؤيتها بوضوح من خلال جولة سريعة على شبكات تواصلنا الاجتماعية.. مظاهر تنخر كالسوس ليس فقط في هوية المجتمع الثقافية، ولكن أيضاً في وحدته الوطنية. ومن تلك المظاهر تآكل القيم والأخلاق وانتشار العنصرية والطائفية والقبلية، اضافة الى الدعوات المباشرة وغير المباشرة لاحلال الولاء لأحزاب دينية سياسية محل الولاء للوطن.
ان منظومة الحقوق والواجبات التي يقوم عليها مفهوم المواطنة يتطلب بالضرورة دعمها بالقيم والمبادىء الاخلاقية التي يعتبر الدين أهم مصادرها، وأي تآكل لتلك القيم والمبادىء يعتبر إضراراً بذلك المفهوم. أما انتشار العنصرية والطائفية والقبلية بشكل واضح وعلني على شبكات التواصل الاجتماعي فانه يتصادم بشكل أساسي مع فحوى مبدأ وفكرة المواطنة التي تقوم على العدالة والمساواة وعدم التفريق بين جهات الوطن ولا بين إنسانه.
خلاصة القول إن تلك الظواهر والممارسات السلبية التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي دون خوف أو حياء، تحتاج منا الى وقفة صارمة للحد منها وايقاف تأثيراتها السلبية على هويتنا الثقافية والوطنية، وهذا لا يتأتى الا بوجود قوانين صارمة ومفعلة تجرم العنصرية والطائفية والاباحية على تلك الشبكات، وتعمل أيضا على تفعيل وتشديد القرارات التي تجرم الترويج للأفكار الضالة والانتماء للاحزاب الدينية السياسية التي تزعم كذبا أن هناك تعارضاً وتضاداً بين الولاء للوطن والولاء للعقيدة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store