Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

داعش وضرورة تجديد الخطاب الديني

 من المهم أن نفهم أن تحرك داعش في العراق وسوريا -وهم النموذج الثاني لظاهرة القاعدة، أو الخوارج المعاصرون- لم يكن بهدف تحصيل أكبر قدر من المال، كما أن قتلهم النفس، وذبحهم الناس بغير حق، ليس سبب

A A

 من المهم أن نفهم أن تحرك داعش في العراق وسوريا -وهم النموذج الثاني لظاهرة القاعدة، أو الخوارج المعاصرون- لم يكن بهدف تحصيل أكبر قدر من المال، كما أن قتلهم النفس، وذبحهم الناس بغير حق، ليس سببه وجود خلاف عرقي يعتمد التصفيات الجسدية على الهوية كما يحدث في بعض البلدان، ولا منشأه صراعًا طائفيًّا يعتمد قتل الشيعة في مقابل السنّة، إذ لم يفرّقوا في حربهم وقتلهم النفس بين سنّي وشيعي، بل إن عنفهم قد تجاوز كل مقاييس وأدبيات فكر الخوارج عبر التاريخ، الذين ما كانوا بمثل هذه الوحشية والمروق من كل صفات الإنسانية.
إذًا نحن أمام حالة مشوّهة من النشوز الفكري والعقدي، تحتاج منا -علاوة على المواجهة الأمنية الحازمة- إلى مواجهة فكرية واضحة. وفي تصوّري فإن ذلك يستلزم ابتداءً مراجعة مكمن الخلل في سياقات خطابنا الديني، الذي من خلاله تسلل أولئك المتطرفون إلى أذهان بعض شبابنا وفتياتنا، فغرروا بهم، وأدخلوهم في شرك التيه والضلال، بل وجعلوا منهم قنابل موقوتة لتصفية من يُريدون، وكل ذلك يتم باختيار شبه طوعي من هؤلاء الشباب المتحمس للقاء الله، تصورًا أن الجنة ونعيمها ستكون مأوى لهم، وما أدركوا أن النار ولهيبها سيكون مستقرًا لمن يقتل مؤمنًا متعمدًا مصداقًا لقوله جل وعلا: (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا).
أمام هذا الموقف المحزن، والملهاة المبكية، ألا يجب أن نتوقف لنبحث بتأمل وتفكير عن مكمن الخلل، الذي ألقى بأولئك إلى التهلكة، حتمًا فالأمر يستحق، لكون القضية أكبر من عصابة مارقة نتوجه للقضاء عليها أمنيًّا، بل هم شباب شُوِّهت أفكارهم، وتم تغذية عقولهم بخطاب ديني قاصر، جعل من الفعل المكروه حرامًا، بل انطلق في رؤيته من قاعدة أن أصل الأشياء التحريم، وليس الإباحة.
وكانت النتيجة أن تحوّلت كثير من الممارسات الحياتية، التي يمكن أن تندرج في خانة المُباح، أو في خانة المكروه، إلى أمر مُحرَّم فعله، واجب على فاعله إقامة الحَدِّ، وواجب على مجتمعه ودولته الذين لم يتخذوا أي إجراء صارم إزاءه -من وجهة نظر أولئك الخوارج- إقامة الحَدِّ أيضًا، لكونهم قد أقروا ارتكاب معصية مُحرَّمة -كما يزعمون-، وهكذا تتوالى الاستنتاجات وصولاً إلى تكفير المجتمع، وإهدار دم أبنائه.
كل ذلك ابتدأ شرره من خطابٍ قاصر لم يعِ قواعد الفقه وتنزيلات مراتب الأحكام وفق ما أجمع عليه الفقهاء. فهل بات واجبًا تجديد خطابنا الديني، وحسم الرأي الفقهي في كثير من المتشابهات والقضايا المختلف حولها، منعًا للفتنة، ووقفا لإزهاق الأرواح؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store