Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

دور الجامعات الريـاديّ في الحج

ليس في الدنيا مناسبة مثل "الحج". إذ تجتمع فيه كل ثقافات وحضارات البشر، حيث تتفاوت أفكارهم وعاداتهم وتصوراتهم، ولا يجمعهم إلا أمر واحد جليل وعظيم وهو رابط العقيدة والدين وقدسية المكان والزمان.

A A
ليس في الدنيا مناسبة مثل "الحج". إذ تجتمع فيه كل ثقافات وحضارات البشر، حيث تتفاوت أفكارهم وعاداتهم وتصوراتهم، ولا يجمعهم إلا أمر واحد جليل وعظيم وهو رابط العقيدة والدين وقدسية المكان والزمان. تجتمع كل تلك الملايين من البشر في ظرف زماني ومكاني محدد وقصير جداً لايكادون يلتقون حتى يفترقون مرة أخرى. تمثل هذه المحدودية الزمنية والمكانية تحدّياً كبيراً جداً للقائمين على رعاية هؤلاء جميعاً منذ وصولهم وحتى مغادرتهم. وتتمثل تلك التحديات في الجوانب الصحية والأمنية والتنظيمية، مع توفير كافة المرافق الخدمية. لاشك أن إمكانات الدولة كلها تُسخّر للوفاء بهذا الالتزام الديني والأخلاقي تجاه هؤلاء الضيوف، وما أعظمهم من ضيوف. من جانب آخر، في ذات الوقت يمثل الحج فرصة عظيمة جداً لاتتوفر لأي دولة ولا جهة لإيصال رسائل ايجابية في نواحٍ عدة سأتطرق إليها لاحقاً. لا أريد هنا تقييم مدى الاستفادة في الماضي من موسم الحج في هذا الشأن، لكنني سأتناول دوراً أظنه لم يأخذ حظه من الاهتمام الكافي، ألا وهو دور مؤسسات التعليم العالي في استغلال هذا الموسم بصفة ايجابية.
لن أستغرب حين يُعدّد أحدهم بعضاً من أنشطة الجامعات في الحج. فقد يقول مثلا، لدينا مركز أبحاث الحج، ولدينا العشرات من جوالة الجامعات يشاركون في أنشطة الحج سنويا ومنذ سنوات بعيدة. للحقيقة فإن مركز أبحاث الحج هو مركز بحث ميداني متقدم، لكن دوره محصور في تقديم الدراسات والتوصيات، خصوصاً معالجة الحشود وبعض الدراسات الصحية والاجتماعية. أما جوالة الجامعات فعددهم لايزيد عن الألفين إلى ثلاثة آلاف، يقدمون خدمات طبية وإرشادية ميدانية، كل ما تقدم من جهود وإنجازات تستوجب منا الثناء والشكر والإشادة، فالقائمون عليها على درجة كبيرة من الاخلاص والجدية والتفاني في أداء رسالتهم.
لكنني من منظور آخر أنظر لدور الجامعات من رؤية أوسع وأعظم وأكبر تأثيراً.
قدمت في بداية حديثي تصوراً وتوصيفاً لتلك الجموع القادمة للحج وسوف ألخصه في النقاط التالية :
• التباين الشديد في المستويات الثقافية والفكرية، فبينما نجد المتخمين ثقافياً المترعين فكرياً، يقابلهم في الطرف الآخر البسطاء من عامة الناس، وبين الطرفين طيف واسع من الاختلاف في الثقافات والتصورات والأفكار.
• الفروقات المادية الشاسعة بين شرائح الحجاج، فمنهم من ينظر للحج بالاضافة إلى مفهومه التعبدى، إلى أنه رحلة سياحية ترفيهية يجب أن يتوفر خلالها مقومات الإقامة والعناية الفندقية المتقدمة جدا. بينما هنالك من لا يبالون أن يُتمُّوا مناسكهم في العراء وتحت الكباري وعلى الأرصفة إن سمحت لهم الأنظمة بذلك. هنا كذلك نجد بين الفئتين طيفاً واسعاً من القدرات المالية والرغبات في توفر الخدمات.
• الجميع قدموا من شتى بقاع العالم، وهناك أنواع مختلفة من الحراك المجتمعي في بلادهم, سواء الهادئ المتزن أو العنيف المتسارع. وبين هذين النوعين من الحراك طيف واسع من التصورات المختلفة للتغيرات المجتمعية والفكرية والسياسية وخلافها. ولايمكنهم أن يتركوا كل هذا الإرث خارج المناسك حتى وإن لم يتفوهوا به.
• كل تلك الفروقات الثقافية والفكرية والمادية والمجتمعية التي يحملها معهم أطياف الحج المختلفة، سوف يصاحبها نظرة تقويمية فاحصة لكل مايمرون به من أحداث في رحلة الحج، من يوم وصولهم وإلى أن يغادروا بسلام. وقد يكون للكثير منهم نظرات سلبية قدموا بها نتيجة الدعاية السوداء المغرضة وغير المنصفة عن المملكة وأهلها.
من الحقائق المسلم بها أن كلّ مقدمي الخدمات المختلفة لضيوف الرحمن من أبناء هذا الوطن - مدنيين وعسكريين- يواصلون الليل بالنهار لتقديم أفضل ما لديهم لتمكين الحجاج من أداء مناسكهم. لكن لضيق الوقت وكثرة المسئوليات قد لايجد الكثير منهم الوقت الكافي للتفاعل مع ضيوفهم كما يجب أن يكون.
طلبة الجامعات يملكون من المؤهلات النفسية والفكرية والحماس والرغبة في تمثيل بلادهم خير تمثيل، من خلال تواجدهم -تطوعيّا- في كل مكان يمكن أن يلتحموا ويتفاعلوا مع الحجاج. فمثلا في كل المشاعر، ومكة والمدينة، ومنافذ القدوم والمغادرة ، وطرقات حركة النقل البري بين المدن وهكذا.
الجامعات يمكنها مجتمعة أن تجهز عدداً كبيراً مما يمكن تسميته بالـ"الدليل الثقافي" وليس السياحي من طلبة الجامعات، ليكون من ضمن أدواره:
1. التركيز على أهمية نقاء وصفاء أداء المشاعر، وعدم خلطها بأية أهواء أو أغراض لاعلاقة لها بها، والتأكيد على المعنى العبادي الخالص خلال أداء النسك منذ الوصول وحتى المغادرة.
2. الشرح المبسط والمركز عن المملكة ودورها الحضاري والديني والثقافي بين دول العالم مع عدم المبالغة.
3. الجهود المضنية التي تبذل والإنفاق الهائل الذي يصرف من غير منّة للتوسعة وتوفير سبل الراحة في المشاعر وترقية الخدمات المصاحبة لنسكي الحج والعمرة على مدار العام، والحديث عن استشعار الجميع في المملكة لحجم المسئولية والعمل على القيام بها على أكمل وجه
4. استصحاب مفهوم رجل "العلاقات العامة"، خلال التواصل مع الوفود والتحلي بكل صفات رجل العلاقات العامة، وتمثيل شباب الوطن كما يجب، وتغيير الصورة النمطية عنهم لدى البعض خارج المملكة من أنهم غير قادرين على تحمل المسئولية.
تصوروا أن هناك عشرين ألفاً من طلبة الجامعات في كل الأماكن التي ذكرت آنفاً، يكونون قد خضعوا لبرنامج إعدادي وتأهيلي على مدى أشهر عدة، وتدربوا تدريبا جيدا على التصدي لأصعب المواجهات الفكرية خلال تفاعلهم مع الحجاج، ثم تصوروا بعد عودة الحجيج إلى أوطانهم وقد حملوا معهم انطباعات إيجابية جدا عن الوطن وأبنائه، من خلال ذلك التلاحم الخدمي من بعض الشباب، والفكري الثقافي من البعض الآخر، وتصوروا كم منهم سيتبنون بإخلاص ما اقتنعوا به من انطباعات إيجابية من خلال تفاعلهم مع طلبة الجامعات لسنوات تطول.
ثم يعود طلبتنا بعد الموسم إلى جامعاتهم ليقيموا ملتقاهم السنوي لما بعد الحج لتقييم ماأنجزوا، ويعرضوه على بقية زملائهم ويستمعوا لردود أفعالهم ويحفزوهم للمشاركة في الأعوام القادمة.
إن طلبة الجامعات سيكونون مصدر فخر لأهليهم وجامعاتهم ومجتمعاتهم، إن مثلوا وطنهم أمام كل ثقافات الدنيا باقتدار. . وسوف تنتقل الجامعات بمفهوم المسئولية المجتمعية إلى آفاق لن يصل إليها أي طلاب جامعات في طول الدنيا وعرضها، من خلال رحلة الحج "الفكرية والثقافية والمجتمعية" التي نفذوها .. أتمنى أن يرى ذلك النور قريبا.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store