Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

كيف نحبهم ؟!

إن الطبائع بين العباد مختلفة، فسبحان مَن كوَّنها..

A A
إن الطبائع بين العباد مختلفة، فسبحان مَن كوَّنها.. وسبحان الذي أوجدها بهذه الصور المختلفة، وهذا الاختلاف أوجده الله -تبارك وتعالى- لحكمة معينة؛ كما قال رب العزة: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" (سورة الأنعام: 165)، وليس الاختلاف فقط في الطبائع إنما الاختلاف في كل مكونات شخصية الإنسان.. قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" (سورة الروم: 22).
بل الأعجب من ذلك ما أثبته العلم الحديث عن تميز كل إنسان عن الآخر، فلو اجتمعت البشرية كلها، ما اتَّفَق بَنَان إنسان مع إنسان آخر، ولذلك كانت البصمات دليلاً على اكتشاف المجرم، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: "بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ" (سور القيامة: 4)، بل الأعجب من هذا أن شعرات رأس الإنسان لا يمكن أن تتفق مع شعرات رأس إنسان آخر، فلو عُثر على شعرة واحدة من رأس مجرم لاكتُشف ذلك المجرم من خلال هذه الشعرة التي تُرْمَى من رؤوسنا دون مبالاة، فتكون هي الدليل والشاهد عليه، فسبحان القائل: "وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ" (سورة الذاريات: 21)، ولكن حديثنا هنا ليس عن المجرم أو من يُخالط المجرمين؛ بل حديثنا عمَّن يمر عليك كل يوم يطلب منك التعامل والتآخي والمحبة، وقد يُصادفك نمط من التفكير لدى إنسان ما، قد تتساءل وتريد أن تعرف كيف يُفكِّر هذا الإنسان بهذه الطريقة؟ فلا تجد جواباً سهلاً يظهر لك الحقيقة، وهناك الكثير مما يثير الحيرة في بعض الأساليب التي يتبعها إنسان ما في تعامله مع غيره من البشر، تلك الأساليب التي نراها وتُحيّرنا في بعض الناس وتجعلنا في دهشة من أمرهم، أحياناً تشعر بأنه من اللباقة أن تعطي شخصاً معيناً تتوسم فيه الصدق بعض المزايا الشخصية؛ من احترام وتقدير وترفيع لمكانته، وفجأة تجد هذا الشخص قد جعلت له مكانة في نفسك.. وهو لا يستحقها.. تراه يعود إلى جبلته التي تعوًّد عليها في التعامل ويستمرئ ذلك منك، وقد تجد الغرابة في تفكيره، إذ يعتقد أنه من الواجب عليك أن تُعامله بما يُريده هو، لا بما تقتضيه أصول التعامل الإنساني الراقي!! والغريب أنه يتصرف معك على أن تقديرك واحترامك له حقٌ وواجب عليك، وليس من الضروري في تصوّره أن يبادلك الشعور نفسه، ويرى أن ما قدمته له وما تجود به من تقدير مادي أو معنوي هو إلزام عليك، وأنه لا فضل لك عليه بما قدمته له، ويشعرك بأنك في أمسِّ الحاجة إليه.. فلا يعترف بمعروف، ولا يشكرك على فضل قدَّمته له، فهذا الإنسان لا يتمتع باحترام نفسه، فكيف يحترم الآخرين؟! وكما هو معلوم أن كل إناء ينضح بما فيه، فيحيّرك هذا الصنف وهذه النوعية من البشر!! هل هو صنف من ضمن الأصناف الأولى المذكورة أعلاه؟!
إن الإنسان صاحب الضمير النقي يعطي ولا ينتظر المقابل، وقد يُساء الظنُّ به نتيجة هذا العطاء، فهو يعطي؛ وإن أُسيء إليه من الآخرين، تراه لا يلتفت إلى هذه الإساءة ويستمرُّ في العطاء، وقد لخصها الشاعر المقنع الكندي في ديوانه حينما قال:
وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
وإن زجروا طيراً بنحس تمر بي
زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالي وإن تتابع لي غنى
وإن قل مالي لم أكلفهم وفدا
يُعيرني بالدَّين قومي وإنما
ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً
وما شيمةٌ لي غيرها تشبه العبدا
إن الإنسان السوي في زماننا هذه تجده في حيرة من أمره تحسُّ بأن لديه مشكلة ما؛ وتكمن هذه المشكلة في مرور هذه الأصناف عليه كل يوم، ولكننا نقول له: استرح ودع عنك الحيرة، فهذه أصناف قد استمرأت الأخذ دون شكر، وهم لا يعلمون أن من لم يشكر الناس لا يشكر الله -عز وجل- ومن الواجب على المرء أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، التَّنكُّر والجحود والكفران من صفات إبليس، ومن أخلاق الشيطان.
هناك أفكار غريبة لدى بعض الناس ذوي الأنفس الملتوية والقلوب الموبوءة، والمرء من خلال معايشته لهؤلاء ومخالطته لهم يجد العجب العجاب من الأفكار والأخلاقيات والنفسيات، بحيث يصبح المرء في حيرة من أمره.. شيء في الواقع غريب، كأن بعض الناس ليسوا بناس عندما تصدر منهم هذه المتناقضات.
ولكن المجتمع يوم يلتزم بأوامر ربِّه، ويمضي على شرع نبيه، ويتمثل لأحكام العقل السليم، ويمضي بأصول واضحة وعلى محجَّة راشدة؛ يرقى ويتقدم.
ونقول لأصحاب النفوس المريضة التي جبلت على الجحود والتنكر؛ فكروا مليا قبل فوات الأوان، وتدبروا فإنكم سوف تنكشفون طال بكم الزمن أم قصر.
وحينما ينكشف الإنسان بعيبه تكون هذه بمثابة الوصمة لا تفارقه ما عاش في هذه الدنيا.
فلنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُبصِّرنا بعيوبنا ويسترها، وأن يجعلنا أعضاء صالحين في مجتمعاتنا.
ولنعلم أن الحُبَّ الصادقَ يهدي إلى العُلا ويريح النفس، وكل حب غير ذلك؛ يجرُّ إلى الضياع.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store