Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أهيم بروحي على الرابية !!

لا أدري لماذا في بداية أيام شهر ذي الحجة من كل عام أتذكر طاهر زمخشري وقصيدته الرائعة وأعيش أحاسيسه ونفسيته وأهيم معه لكن ليس على الرابية وعند المطاف وفي المروتين بل أهيم على الناحية (المواجهة النبوية)

A A
لا أدري لماذا في بداية أيام شهر ذي الحجة من كل عام أتذكر طاهر زمخشري وقصيدته الرائعة وأعيش أحاسيسه ونفسيته وأهيم معه لكن ليس على الرابية وعند المطاف وفي المروتين بل أهيم على الناحية (المواجهة النبوية) وعند الروضة وفي الحصوتين، لعل غربته واغترابه قسيا عليه ففاضت روحه دمعًا وانسكب عطاءه شعرًا وعاش بقلبه وخياله ذكريات مكة:
أهيم بروحي على الرابية
وعند المطاف وفي المروتين
وأهفو إلى ذكر غالية
لدى البيت والخيف والأخشبين
فيهدر دمعي بآماقيه
ويجري لظاه على الوجنتين
ويصرخ شوقي بأعماقه
فأرسل من مقلتي دمعتين
ولعل لهيب الشوق في قلب شاعرنا وعقله يعود إلى اكتوائه بنار الغربة، لأن الغربة تحرق الفؤاد وتؤجج المشاعر، حيث كان رحمه الله قليل المجيء إلى مكة والمدينة، وعاش حياته بين تونس ومصر، وهناك قول لأهل العلم أن الغريب بعيد الديار إن مات يموت شهيدًا، ومعروف عنه أنه شاعر قلبي تحيط به الكلمات العاطفية والرومانسية من كل جهة وحنينه للماضي يأخذ من نفسيته كل مأخذ، ومن الناس من يتعامل مع ماضيه بقسوة ويريد أن ينسى كل شيء ولا يرغب بلحظات تذكره أيامه ولياليه وما كانت عليه حاله أيام صباه، وقليل من كتاب وأدباء اليوم من يستطيع أن يواجه زمانه الغابر وذكرياته ويغرف منها مشاهد ويكتب عنها مقتطفات، ومن هذا القليل الأديب الأريب الدكتور عاصم حمدان ابن المدينة المنورة الذي رسم ولا يزال يرسم حياة أيام تلك المدينة الطيبة فيما مضى من عقود زمنية قد عاشها وتعايشها وخبر أبعادها وسبر أعماقها، ولا شك أن هناك معاناة نفسية وأحاسيس داخلية عند الكتابة عن الماضي وعن السيرة الذاتية للمكان والزمان الذي يتذكره الإنسان، وهذا ما أخبرني به صديقي الدكتور عاصم، حيث إنه يقتطع جزءًا من قلبه وروحه عند نقله مشاهد من ماضي حياته في المدينة المنورة (حارة الأغوات، المناخة، الحصوة والروضة والرواق في المسجد النبوي، العنبرية، الساحة، ....) وهو معذور في ذلك لأن الحنين والشوق إلى الماضي والكتابة عنه يثير غبار النقع بين خلايا القلب، ويهيج جزيئات الهرمون بين تلافيف الدماغ فيجعلها تسكب دمًا وتفيض دمعًا وذلك ما عانى منه طاهر زمخشري وعبّر عنه في قصيدته التي ختمها بأبياته التالية:
أهيم وللطير في غصنه
نواح يزغرد في المسمعين
فيشدو الفؤاد على لحنه
ورجع الصدى يملأ الخافقين
فتجري البوادر من مزنه
وتبقى على طرفه عبرتين
تعيد النشيد إلى أذنه
حنينًا وشوقًا إلى المروتين
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store