Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الأستاذ الجامعي.. الدور الإنساني

قبل سنوات عدّة، أثناء جلوسي مع طلبة الكلية لحضور أحد الأنشطة الاجتماعية، اغتنم أحد الطلبة فرصة جلوسنا سويًّا، وطرح مجموعة من الأسئلة التي أجبت عنها حينها بما يتسع ويسمح به المقام، لكنها بقيت مدوية في

A A
قبل سنوات عدّة، أثناء جلوسي مع طلبة الكلية لحضور أحد الأنشطة الاجتماعية، اغتنم أحد الطلبة فرصة جلوسنا سويًّا، وطرح مجموعة من الأسئلة التي أجبت عنها حينها بما يتسع ويسمح به المقام، لكنها بقيت مدوية في أذني على مدى سنوات. سأحاول أن أطرح بعض هذه الأسئلة تباعًا لعلي أسلّط عليها الضوء، وتكون محاور نقاش خارج إطار هذا العمود الأسبوعي.
ممّا سأله الزميل الطبيب (حاليًّا) -الطالب في ذلك الوقت-: كيف يعرف أستاذ المادة التي يدرِّسها لنا، أننا قد فهمنا المادة واستوعبناها؟ هل تكفي إجابة طالب أو اثنين بالموافقة على سؤاله أن قد فهموا؟ هل يحتاج في نهاية كل لقاء دراسي معه أن يختبرنا كتابيًّا مثلا؟ أم أن الأستاذ غير مسؤول أصلاً من التأكد عن إيصاله للمعلومات بوضوح، ولا هو مسؤول عن تأكده من فهم الطلبة كلهم، أو أغلبهم؟ هل المطلوب أن يدرس المنهج الدراسي كما حددته له الكلية فحسب؟ هل يصبح الأستاذ ذا حصانة عن أي مساءلة متى ما كان أستاذاً طويل الخبرة (Senior)، أو كان كبيرًا في السن والرتبة الأكاديمية؟!
أعود الآن إلى هذه الأسئلة مجددًا لأطرحها على نفسي وعليكم، خصوصًا إذا كان قارئ هذه المقالة طالبًا جامعيًّا، أو أستاذًا جامعيًّا. سألت إسمي كيتل "Esme Kettle" كل هذه الأسئلة، وأكثر في مقال لها في الـGuardian Professional، بتاريخ الثامن من أكتوبر 2014م، في مقال بعنوان: (لم أتمكّن من الاستمرار كمعلمة من غير أن أعرف كيف يتعلّم الطلبة) (I couldn’t continue as a teacher without understanding how students learn). ممّا ذكرت الكاتبة في مقالها ألخص لكم بعض الفوائد التالية:
• تؤمن الكاتبة -كما أؤمن- أن دور الأستاذ توجيهي لا تلقيني (facilitator). وهناك فرق كبير بين الاثنين، وسيحبه الطلبة أكثر وسيتفاعلون معه بمجرد أن يتقن الأستاذ ممارسته لهذا الدور.
• سيدفع هذا الدور التوجيهي للمدرس إلى أن يبذل الطلبة جهدًا أكبر وأعمق في بحث موضوع الدرس قبل وبعد إلقائه، وفي هذا من الفوائد التعليمية للطلبة والأستاذ الشيء الكثير.
• الدور التفاعلي بين الأستاذ وطلبته من الأهمية بمكان، وحين يبدع الأستاذ في هذا الدور، وبرغم عدم حب الطلاب لمحتوى درس من الدروس في بعض الأحيان، إلاّ أنهم سيُحبّون تفاعل الأستاذ معهم كما حدث للسيدة "كيتل"، حيث قال طلبتها: نحن نحب محاضراتك، ولكن لا نحب محتواها (We like your lessons, but we don’t like the subject).
• ينظر الكثير من الفلاسفة والمنظِّرين في التعليم، إلى العملية التعليمية والتدريس خصوصًا، على أنه "فن وحرفة - a craft or an art". لكن الأهم من ذلك كله أن العملية التعليمية "ممارسة إنسانية - human act" بتميز.
• لذلك فليسأل كل أستاذ نفسه، هل يمارس هذا الدور الإنساني خارج قاعات الدرس، في الجامعة وخارجها؟ أم أنه دور يتقمصه في قاعة الدرس في وقت الحاجة فقط. إن كان الأمر كذلك، فلابد أن يراجع كل أستاذ نفسه، لأنه ربما يخادع نفسه والآخرين، فقد لا يكون مؤهلاً، لأن يكون أستاذًا بالمفهوم الإنساني الراقي لهذا الدور.
• سوف يستمر العديد من الأساتذة في تقمص هذا الدور لسنوات عدة، من غير أن يكونوا كذلك في دواخل أنفسهم، وأولئك هم من لن يتركوا أثرًا أو بصمة في نفوس طلابهم، وستذهب جهودهم وأوقاتهم أدراج الرياح.
للحقيقة، فإنني شخصيًّا لا أزال أذكر الكثير من الأساتذة في كافة مستويات التعليم العام والجامعي، وما فوق الجامعي ممّن تركوا في نفسي كبير الأثر والتأثير، ولن أنسى فضلهم ما حييت، وأجزم أنكم كلكم كذلك تحتفظون بالكثير من التقدير والعرفان للعديد من أساتذتكم بمختلف المراحل التعليمية.
وأخيرًا هي دعوة للأساتذة وكلياتهم لمحاولة الوصول إلى فهم أعمق للدور الإنساني الحقيقي للأستاذ.. وحين يصل الجميع لهذا المستوى من الفهم الراقي.. ثقوا بأنكم ستخرّجون أجيالاً مميزة تُحب العلم والتعلم والإبداع.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store