Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لعنة السياسة

ورد في التراث أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان قال: بيني وبين الآخر شعرة لا تنقطع، فإن شدَّ رخيت، وإن رخا شددت.

A A
ورد في التراث أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان قال: بيني وبين الآخر شعرة لا تنقطع، فإن شدَّ رخيت، وإن رخا شددت. وذُكر أن الزعيم الصيني ماوتس تونج قال معرفا السياسة: بأنها الحرب التي لا تُسفك فيها الدماء. وجاء في قاموس اللغة العربية بأن السياسة: هي تعهد الشيء بما يصلحه.
أسوق ما سبق لأبين أن السياسة من حيث هي فن وعلم، تحتاج إلى ملكات ذهنية خاصة، ومهارات تقنية متقدمة على مستوى العمل والخطاب، ليتمكن متعاطيها من المحافظة على سلامة شعرة معاوية كما يُقال، ويُدير حربه وفق رؤية ماو باقتدار، والأهم أن يُصلح بحكمة وتدبر ما تعهد القيام به.
وكنت قد أشرت في مقال سابق إلى أن السياسة كائنٌ مجرد، لا عواطف لها، ترتكز مبادئها على قاعدة المصلحة أولاً وأخيرا، فلا عداوة دائمة، كما أنه لا صداقة دائمة، والسياسي الماهر هو الذي يعرف قدر خصمه، فيزن مسارات قوته وضعفه بميزان دقيق، ويعمل جاهدًا على أن يترك الباب مُوارَبًا.
في جانب آخر فلا تقلّ أهمية الكاتب والمُعلق السياسي عن السياسي الموظف، وإن كنت أرى بأن أهميته قد تفوق نظيره الممارس لوظيفة سياسية مباشرة، لكونه ينظر للمشهد من زاوية أرحب، ودون ضغوط ميدانية تثقل على كاهله، فلا يقدر التفكير برَويَّة ورجاحة عقل.
لذلك نرى أن الموظف السياسي الغربي، يعتمد في كثير من أطروحاته على ما يُقدمه ذلك الكاتب والمعلق السياسي من رؤية تحليلية للمشهد، مرتكزة على دراسات مُعمَّقة صادرة عن مراكز متخصصة، الأمر الذي يفتقده العالم العربي، حيث ينطلق كثير من المعلقين والقارئين للمشهد السياسي اليوم من رؤى عاطفية، ويبنون تصوراتهم دون توفر قدر كاف من المعلومات الدقيقة، والأسوأ أن ترى أغلبهم وقد تصدَّر للكتابة مُحللا في كل حدث، وفي إطار أي قطر عربي وعالمي، على أن الأشد سوءً في نظري، أولئك الذين يتحدثون بصورة جازمة، حال تعاطيهم النقاش لأي مشهد سياسي، انطلاقا من تحليل مُشوه، وقراءة كتبت بذهن مُؤدلجة، تحكمها العاطفة وليس التجرد والمصلحة.
لهذا نجد أن السياسة في المجتمعات العربية تفسد كثيراً من جوانب الحياة، ويتحول الحديث فيها إلى شقاء ولعنة، وهو ما أشار إليه الشيخ محمد عبده يرحمه الله بقوله: قاتل الله السياسة فإنها ما دخلت في شيء إلا أفسدته، وأتبع ذلك بتعوّذه الشهير:"أعوذ بالله من السياسة، ومن لفظ السياسة، ومن معنى السياسة، ومن كل حرف يُلفظ من كلمة السياسة، ومن كل خيال يخطر ببالي من السياسة، ومن كل أرض تُذكر فيها السياسة، ومن كل شخص يتكلّم أو يتعلّم أو يعقل في السياسة، ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس".
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store