القواعد الذهبية والنحاسية

قضية كتاب العدل الأربعة المتهمين بالتزوير في ما بات يسمى (صك ثول) جديرة بالتأمل والنظر، ليس فقط بسبب كبر حجم ‏المبالغ المالية المرتبطة بالقضية وإنما لأنها تهز (قواعد) كانت تبدو صلبة عصية على كل اختراق. ولعل من المناسب التعريج ‏على بعض هذه (القواعد) من وجهة نظر شخصية. ‏القاعدة الأولى: أن القضاة وكتاب العدل قلما يخطئون، وأخطاؤهم في حكم النادر. ولذا كان بعض كبار المسؤولين عن القضاء ‏يتهمون كل من أشار إلى القضاء من بعيد أو قريب بتهم تتضمن الجهالة في أحسن الأحوال وتصل حد التفسيق والتبديع ‏والرغبة في استبعاد شرع الله عن المجتمع والحياة. ‏القاعدة الثانية: أن الخطأ وإن حدث، فهو غير مقصود أبداً، ولا يصل حد الظلم عن عمد ولا الرشوة عن تخطيط مسبق، ولا ‏التزوير في البيانات والوثائق الرسمية بهدف الكسب غير المشروع. ‏القاعدة الثالثة: نسج صورة ذهنية تربط بين (أصحاب الفضيلة) القضاة وكتاب العدل من جهة والدين النقي من جهة أخرى، ‏وكأنهما وجهان لعملة واحدة. وهو ما يساعد على إضفاء شرعية كاملة على كل الأحكام والأقوال الصادرة عنهم لا يجوز ‏المساس بها ولا الاعتراض عليها إلا بصورة رسمية مصبوغة بكل معاني التأدب الجم والاستلطاف الشديد.‏ما سبق كانت قواعد نحاسية. أما القاعدة الذهبية، فهي أن القضاة وكتاب العدل بشر في النهاية يصيبون ويخطئون، ويحسنون ‏ويسيئون. وأما القاعدة الأهم والأصدق، فهي الإقرار بأن في ميدان القضاء ولا ريب رجال آثروا ما عند الله، فصدقوه واتقوه، ‏فكان لهم من كل قضية مخرجاً طيبا، ومن كل حكم ثناء حسن وتوفيق جميل. هؤلاء لا يضرهم اعتراض خصم مهما كبر. إنهم ‏أهل لقبلة على الرأس مستحقون لدعوة طيبة بأن يكون أعلى الفردوس مأواهم (بإذن الله وفضله).‏آمل كل مخلص وغيور أن يتكاثر هذا النمط الطيب، فهم العدة بعد الله نحو أي إصلاح للمجتمع والفرد والدين والدنيا. وأما ‏القواعد الثلاثة الأولى، فلا يصح إلا التراجع عنها والكف عن الترويج لها أو الإصرار عليها.‏إنما السرائر عند الله، والنيات في مستودع عميق، وإنما للناس ما ظهر من العمل والقول.