Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

نعم أم لا .. لتواصل المعلم الشخصي مع طلابه على شبكات التواصل؟

لا شك أنه ينبغي قبل أن نسأل هل يجوز أو لا يجوز أن يكون هناك تواصل شخصي بين المعلم وطلابه (أو المعلمة وطالباتها) على شبكات التواصل الإجتماعي، أن نسأل أولاً هل يوجد لدينا أي تنظيم مكتوب يحدد العلاقة بين

A A
لا شك أنه ينبغي قبل أن نسأل هل يجوز أو لا يجوز أن يكون هناك تواصل شخصي بين المعلم وطلابه (أو المعلمة وطالباتها) على شبكات التواصل الإجتماعي، أن نسأل أولاً هل يوجد لدينا أي تنظيم مكتوب يحدد العلاقة بين المعلم والطالب ليس في العالم الافتراضي ولكن على أرض الواقع خارج حدود المدرسة؟
وتحرياً للدقة في مقالي قمت بسؤال عدد من المعلمين والمعلمات ومدراء المدارس إضافة إلى مسؤولين في وزارة التربية والتعليم، وعلمت منهم أنه لا يوجد أي نظام مكتوب يحدد شكل تلك العلاقة وأين ينبغي أن تتوقف، بمعنى آخر فإنه لا يوجد أي نص يمنع التواصل الشخصي بين المعلم والطالب عبر الجوال أو الزيارات وخلافه. قليل من المدارس الخاصة في جدة ضمنت عقود المعلمات شرطاً ينص على عدم قيامهن بتكوين أي علاقات أو تواصل شخصي مع الطالبات بما في ذلك تبادل أرقام الجوالات.
أهمية هذا الموضوع تكمن في أن العلاقة بين المعلم والطالب هي علاقة تربية وتعليم ولا ينبغي لها أن تحيد عن ذلك بأي شكل من الأشكال. هذه العلاقة تتضمن طرفين أحدهما في موقع قوة (المعلم)، بينما الآخر (التلميذ أو الطالب) قاصر أو أقل نضجاً وخبرة، ومن ثم فإن هناك إمكانية -مهما كانت بسيطة- بإساءة استخدام تلك العلاقة سواءً بقصد أو دون قصد إذا تركت دون تنظيم. هذا التنظيم المطلوب هو بالتأكيد ليس لعدم ثقة بالمعلم ولكنه حماية له ولطلابه في نفس الوقت.
اليوم ومع الانتشار الكبير جداً لشبكات التواصل الاجتماعي بين الشباب وصغار السن، فإن هذه القضية أصبحت أكثر تعقيداً وإلحاحاً، ففي السعودية مثلاً تجاوز عدد مستخدمي فيسبوك ٦ ملايين مستخدم، ٦٢٪ منهم تتراوح أعمارهم بين ١٥-٢٩ سنة، كما أن السعودية هي من أعلى دول العالم استخداماً لتويتر ويوتيوب وكييك وواتس آب، وغالبية مستخدميها أيضاً من الشباب وصغار السن.
وفيما يختص بالعملية التعليمية والعلاقة بين المعلم والطالب، فإن هذا الواقع الجديد يستلزم الإدراك والموازنة بين ثلاثة جوانب هامة هي :
الجانب الأول: الحاجة الماسة لتعليم الطلاب وتعريفهم من قبل معلميهم في المراحل الأولى بتلك الشبكات والأسلوب السليم لاستخدامها، إضافة إلى ما يوجد بها من مخاطر مثل التنمر والتحرش والاغراء والابتزاز، وكيفية التصرف عند التعرض لذلك. هذه المخاطر وغيرها موجودة دون أدنى شك على تلك المجتمعات الافتراضية، وترك الصغار دون توعية وتوجيه من البداية يماثل تركهم بمفردهم في وسط شوارع مدينة كبرى غير آمنة منتصف الليل.
الجانب الثاني: أن تلك الشبكات مثل فيسبوك وانستجرام والمدونات وسلايدشير وغيرها تمتلك خصائص جبارة يمكن للمعلمين استخدامها في الشرح والإيضاح والتفاعل الإيجابي المستمر مع الطلاب. وفي الواقع فإني شخصياً استخدم ومنذ سنوات عديدة مختلف أشكال شبكات التواصل الاجتماعي في تدريس طلابي في الجامعة وأعتقد جازماً أن النتيجة مشجعة للغاية. استخدام المعلمين أيضاً في مراحل التعليم المختلفة لهذه الشبكات التي يألفها الطلاب ويحبونها هو أمر مفيد للغاية، خاصة عندما تكون البرامج البديلة للتعليم عن بعد غير متاحة.
الجانب الثالث: وهو جوهر مقالي هذا، ينطوي على ضرورة وضع قواعد مكتوبة صارمة تمنع خروج العلاقة بين المعلم والطالب من إطارها التربوي والتعليمي إلى علاقة شخصية، وفي نفس الوقت ترك مجال محدد يتيح للمعلم استخدام تلك الأدوات بإبداع ووفق ضوابط محددة لا تخرج عن دائرة الضوء تحت عين إدارة المدرسة ووفقاً لأنظمتها.
إدارة التعليم في مدينة نيويورك وزعت على المدارس تعميماً من ٩ صفحات يتضمن ارشادات حول كيفية استخدام المعلمين لشبكات التواصل الاجتماعي وذلك بعد حدوث العديد من حالات الاستخدام لتلك الشبكات لاقامة علاقات غير مشروعة مع طلابهم (طالباتهم) أدت لفصل كثير منهم. ومن ضمن الإرشادات التي يتضمنها التعميم وجوب فصل المعلمين بين حياتهم الخاصة وحياتهم العملية كمعلمين. كذلك عدم قبول إضافة طلابهم كأصدقاء والإكتفاء باستخدام الصفحات التعليمية المعتمدة من قبل إدارة المدرسة، كما يجب أخذ موافقة كتابية من ولي أمر الطالب أو الطالبة قبل السماح لهم باستخدام تلك الصفحات.
إن ترك العلاقة بين المعلم وطلابه دون ضوابط تمنع تحولها إلى علاقة شخصية هو أمر خطير، وتزداد خطورته بشكل كبير جداً حين تدخل تلك العلاقة عبر دهاليز شبكات التواصل وصولاً إلى حجراتها العامة والخاصة، المضيئة والمعتمة، الساكنة والمليئة بالتفاعل المباشر عبر كاميرات الفيديو. وبالتالي فإننا نأمل أخذ هذا الأمر في الاعتبار كجزء من عمليات التطوير الضخمة والرائعة التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في وزارة التربية والتعليم. هذه الملاحظات هي ذات علاقة مباشرة بجودة التعليم وتطوير أدواته، وبحماية الطلاب والطالبات من كافة أشكال الإيذاء، بما فيها أيضاً "الايذاء" الفكري الذي تم إغلاق كثير من أبوابه التقليدية، وهناك خشية من أن يكون البديل هو عبر الأبواب العديدة المشرعة على الإنترنت.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store