Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المستغربون المتطفلون على مائدة الغرب

هناك أخبار جهدت في جمعها، لأشنف بها آذان أولئك الذين يدَّعون نُصرة اللغة العربية، ويتغنون بمحبتها، وما صنيعهم ذاك إلاَّ لذر الرماد في العيون، وحتى ينفوا عن أنفسهم الريبة، ويكونون بمنأى عن أعين الرقباء

A A
هناك أخبار جهدت في جمعها، لأشنف بها آذان أولئك الذين يدَّعون نُصرة اللغة العربية، ويتغنون بمحبتها، وما صنيعهم ذاك إلاَّ لذر الرماد في العيون، وحتى ينفوا عن أنفسهم الريبة، ويكونون بمنأى عن أعين الرقباء، وبذلك يتمكَّنون من الغَدر بها دون خوف أو وَجَل، إذ إنَّ حقيقتهم هي الدأب على هدمها، والإساءة إليها، إمَّا عنادًا وكبرًا، وإمَّا كيدًا متعمدًا، أولئك هم المستغربون الذين ولِدُوا من رَحِمٍ العربية، وهو مصطلح يقابل المستشرقين الذين هم في أصلهم ليسوا عربًا، بل من بلاد الغرب جاءوا بدعوى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، إذ ادَّعوا أنَّ غرضهم شريف ونيتهم بيضاء، فليسوا يقصدون سوى دراسة العربية وثقافات الشعوب والتَّعرف على ديانتهم، من باب العلم والمعرفة، ثم انكشف الغطاء وأُميط اللثام، وظهر هدفهم وبانت نِيَّتهم الحاقدة في هدم الحضارة، وزعزعت الثوابت، فهم لم يعوا بقلوبهم، ولم يهتدوا بعقولهم أنَّ المولى عزَّ وجل أكَّد حفظه لكتابه الكريم وللغته الشريفة، إذ قال: (إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون).
أما المستغربون الحاقدون، فهم فئة أخطر من سابقتها، إذ هم من أبناء العربية، الذين تعمَّقوا في دراستها، وحصلوا على أعلى الدرجات، لكنَّهم خُدعوا بدعوى التجديد والتطوير، وفهموا التجديد بمنطق غريب، وهو الجري اللاواعي وراء النظريات الغربية الحديثة، والتطبيل والتزمير لها حتى الدروشة، فهم في حالة غيبوبة فكرية، وحالة انسحاب كُلِّي نحو الغرب، وانبطاحٍ ذليلٍ تحت أقدام ثقافته.
هم أشد خطرًا من المستشرقين، لأنَّهم يتعممون بالزي العربي، ولأنَّهم يتكلمون بلسان عربي، ولأنَّ شهاداتهم تُعطيهم حصانةً علميةً، خاصة المأخوذة من جامعات غربية، لها أهدافها المؤدلجة، فكان الوثوق بهم أعمق والاستماع لكلامهم أعلى.
إنَّ التجديد يا سادة ليس معناه نبذ القديم وطرحه على الأديم، والتبرؤ منه، والانسلاخ من ربقته، وإحلال الجديد على ما فيه من انكشاف السوأة، وظهور العورة.
فليس كل قديمٍ رديء، وليس كل جديدٍ بهيج يحمل في طياته المفيد الذي سوف ينقلنا من مرحلة الركود إلى مرحلة النهوض، كما يتوهم المستغربون، فلا ينبغي أن نمقت القديم ولا أن نستهزئ به ونزدريه، فكل أمر لا أصل له آيل للسقوط.
وفي المقال القادم سأعرض تجارب بعض الدول غير العربية، وموقفها من اللغة العربية، لعل حماسًا يَدبُّ في الأوصال، ولعل غيرةً تُحرِّك النفوس.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store