Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الجديد في ثقافة الاعتدال

* يُفلسف البعض ثقافة الاعتدال على أساس أن منهجه لا يعني التوافق والتوفيق لكنه هو التوسط بين رأيين أو موقفين على درجة من العقلانية في الحكم والاختيار للمنهج والسلوك..

A A
* يُفلسف البعض ثقافة الاعتدال على أساس أن منهجه لا يعني التوافق والتوفيق لكنه هو التوسط بين رأيين أو موقفين على درجة من العقلانية في الحكم والاختيار للمنهج والسلوك.. قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ). ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- إسهامات بارزة تركت بصمة في سياسات الاعتدال والتعامل مع الآخر.. وقضية الاعتدال ليست بالأمر الوقتي أو الاختيار الترفي، خاصة فيما تمرّ به الأمة من مفارقات عجيبة في فهم أصول قضاياها، واستيعاب التعايش مع بعضها، فضلاً عن الآخر في جانب الفروع.
* والأمر جدّ خطير ابتداءً بما آل إليه بعض أفراد المجتمع من تطرّف وغلوّ في ماضي الأيام، وانتهاءً ببناء مستقبل الجيل في قابل أيامه.. أمّا ابتداءً فإن ثمة قواعدَ وأساساتٍ وبذورًا كان زرعها خطأ، وفي أرض بور؛ لذلك كانت مخرجاتها وثمرها التطرّف والإرهاب.. ونظرة فاحصة في الزمن الماضي القريب تؤكد بأننا كُنّا نغذي ظاهرة الغلوّ في كل شيء، فنحن متطرّفون في تعاملاتنا بالبيت، فلنا الرأي الواحد، والفكر الأصوب، والعرق الأفضل في نعرة كاذبة أورثناها للنشء؛ فتشبّعوا بها وتبنُّوهَا.. فقد مرّ علينا زمن كنت ترى بعض الملتحين لا يردون السلام على غير الملتحي، وآخرين كانت نظراتهم غير محببة لا تستسيغك لأنك غير ملتحٍ أو مقصر ثوبك، وكان الأمر يستوقفني ويثير حفيظتي، وحاولت مناقشة البعض واسترعاء انتباهه لما يتركه تصرفه غير الحكيم من أثر سيئ على الآخرين، فهو بذلك يقدم عن الدين صورة غير صحيحة! إذ لاحظت البعض لا يذهبون صلاة الجماعة لضيقهم من ذلك الوضع في بعض المساجد، فأشرت بذلك لبعض الملتزمين، ولكن لا محالة من تصحيح مفاهيم راسخة، فضلاً عن تحريم البعض لكل كل شيء، والغلوّ في الدِّين..
* نحن لا ننكر فضل الاقتداء بالسنّة، لكننا نريد الاعتدال في سلوكنا، وتعاملنا مع الآخرين غير المقتدين لما نظهر به.. فالأصل أننا مسلمون نصلّي ونؤدّي الأركان مذهب أهل السنة والجماعة، ومن نهج الأمة الإسلامية أن نلتقي حتى مع المختلف معنا في الشرائع، ونحسن تقديم ديننا عنده؛ ليكون بمثابة دعوة بالسلوك دون الكلام، فكيف بأبناء جلدتنا؟ والأمثلة كثيرة عن تعامل وخلق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع مَن اختلف معه، وتجاوز في رفع صوته عنده، وشدّ عباءته، وكذلك تعامله عليه الصلاة والسلام مع غير المسلمين من الديانات الأخرى في العهود والمواثيق، ثم تعامل صحابته الكرام جميعهم، ونهجهم من بعده -رضوان الله عليهم- حتى سيدنا عمر الفاروق الشديد الصارم في الحق كان مثالاً للأخلاق الفاضلة حين فتح بيت المقدس، والانتصار على الأعداء، وحين تفقد أحوال المسلمين وغيرها من المواقف.. فكيف ارتكب بعضنا الأخطاء الجسيمة في حق نفسه، والآخرين، والمجتمع، وأفرز ذلك الفكر المتطرّف الأحادي العنيف الدموي؟!
* وفي المقابل نريد أن نصلح أفكارنا، ونزرع ثقافة الاعتدال والوسطية في تربية أجيالنا الحالية والقادمة، حتى لا نكرر أخطاءنا.. وحتى يتأتى لنا ذلك لا بد أن نتحرك في عدد من المسارات منها:
- المضي في مراجعة المناهج التعليمية والتربوية.
- الخطاب الدعوي التوعوي الديني في المساجد والمناسبات والندوات والمحاضرات، وإعادة تأهيل المضطلعين بمسؤولياته من الخاصة والعامة.. والموظفين والمتطوّعين.
- الفضائيات الإسلامية التي نملك رأسمالها وإدارتها أو المشاركة فيها، ولا بد أن نعيد بناء هيكلة أجهزتها الفنية والإعلامية الإنتاجية حتى يحسنوا اختيار الضيوف فيها، وتلك مهمّة على درجة كبيرة من الخطورة بدلاً من الانسياق خلف ما ينادي به العلمانيون -مستغلين ما حصل- ومناداتهم بإغلاقها ووقفها كليًّا، إذ لا ينبغي أن ننسى بأننا محط أنظار الكثير من الدول الإسلامية في شتى أنحاء العالم، وكثيرون ينظرون إلينا كقدوة ويستقون ثقافتهم الدينية من خطابنا الديني الإعلامي الموجه إليهم.. وتلك القنوات لا بد أن تكون على درجة من الوعي والحصانة لتختار منهج السلوك المعتدل الذي يعيد تصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين، وهو رد بالغ التأثير والإيجابية على القنوات الرافضة المحرّفة التي تسعى للتطرّف، وتنادي به استتارًا خلف عباءة الدين.
- الدعاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه مسؤوليتنا، فنحن حين نمقت التطرّف والتزمّت وننبذه لا نؤيّد الانحلال وتفسّخ المجتمع من جلدته، وخسارة هويته الإسلامية التي حفظ الله بفضلها هذا الوطن وحماه من المعتدين، ولا نريد أن نترك الحبل على الغارب، ونعطلّ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا يصيبنا ما أصاب بني إسرائيل، والقرية التي كانت آمنة مطمئنة (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) غير أننا لا نريد الغلو في ذلك، وبالتالي لا بد أن نعيد هيكلة تلك الأجهزة ونمحصها ولكن لا نعطّلها.
* وأخيرًا وليس آخرًا على الأسرة والوسط الثقافي والإعلامي مسؤولية عظيمة في إعادة تأهيل وتربية النشء على ثقافة الاعتدال والوسطية وأخلاقيات الإسلام والمسلمين في زمن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فضلاً عن نبذ العنصرية البغيضة التي تربي الأجيال على الصراعات والعداءات والاختلافات داخل البيت الواحد، والأسرة الواحدة، والوطن الواحد، وتلك من مسببات الانهيار للحضارات.

دوحة الشعر:
لكن طبع الخيرّين وَشَعْبنا
أَلِفَ التسامح مذهبًا وسلاما
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store