Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

رسالة ثانية.. إلى المبتعثين

في رسالتي الماضية لأعزائي المبتعثين، كنتُ قد أكَّدتُ على أهمية التزوُّد بمجموعة من المهارات والمعارف التي سوف تساعدهم على الالتحاق بإحدى مؤسسات التعليم العالي، حين عودتهم إلى المملكة.

A A
في رسالتي الماضية لأعزائي المبتعثين، كنتُ قد أكَّدتُ على أهمية التزوُّد بمجموعة من المهارات والمعارف التي سوف تساعدهم على الالتحاق بإحدى مؤسسات التعليم العالي، حين عودتهم إلى المملكة. بحمد الله لاقت تلك الرسالة قبولاً لدى الكثيرين، إذ إنني قد سجّلتها من واقع تجربة ومعاناة عشتها وعاشها الكثير غيري من الزملاء عند عودتهم من بلاد الابتعاث، وانخراطنا في الحياة الأكاديمية الجامعية.
في الحقيقة وواقع الحال، كثير جدًّا من المبتعثين (عشرات الألوف منهم) لن ينتسبوا إلى مؤسسات التعليم العالي، لأسباب تخص المبتعثين أنفسهم، أو لكثرة الطلب على الجامعات، وتطبيقها سياسة الانتقاء حسب الأفضلية والحاجة للتخصص بها. نتيجة لذلك فإن تلك الأعداد الغفيرة من الخريجين سوف يطرقون أبواب سوق العمل الحكومي والخاص، وهم كما ذكرت يُعدّون بعشرات الآلاف من الخريجين والخريجات، وسوف تحتدم المنافسة بينهم وتشتد. فهل من سبيل للحصول على توافق وقبول واستقطاب بين طرفي المعادلة، وأقصد هنا المبتعث الخريج، والعائد للتو إلى المملكة؛ وصاحب العمل في القطاعين الحكومي والخاص؟
لا شك أن "أيام المهنة" التي تتبناها وزارة التعليم العالي في العديد من دول الابتعاث، تمثل بداية جيدة للبحث عن ذلك التوافق بين طرفي المعادلة التي ذكرتها أعلاه. لكن كما ذكر لي أحد العارضين لخدمات التوظيف والاستقطاب من المؤسسات الحكومية، وأيّده أحد منسوبي الشركات السعودية العارضة بيوم المهنة: أن تخوفهم من استقطاب الخريجين، أو ممّن هم على وشك التخرج يشبه إلى حد كبير عملية صيد السمك بالشبكة! فهي تجمع لك كل ما قد خبّأه البحر من أطايب الأسماك، ومن ما لا تستسيغه النفس كذلك، وقد ترجح كفة أحد النوعين على الآخر..! لعلي أوافقهم جزئيًّا فيما ذهبوا إليه، ولي أسبابي التي سأتحدّث عنها في غير هذا الموضع.
هنا سأطرح تصورًا لحلول قد تكون مجدية على المستوى الفردي لكل مبتعث. لكن لابد أن يصاحبها الرغبة والجرأة والطموح، ولا أظن أن هناك ما ينقص مبتعثينا أبدًا:
1- لِمَ لا يذهب المبتعث للجامعات، والمؤسسات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، ويُعرّف بنفسه وتخصصه وقدراته الفردية ومهاراته وطموحاته المستقبلية؟ بدلاً من انتظار ممثليهم في "أيام المهنة"؟ لِمَ لا يبادر بالتراسل معهم أولاً، ويُرتِّب لتلك الزيارة أو الزيارات، ويضعها من ضمن برنامجه خلال زيارته السنوية للمملكة؟ لقد رأيت عددًا محدودًا من المبتعثين يزور الجامعات لهذا السبب، ولقد ترك بعض أولئك الشباب انطباعًا جيدًا في الجامعات التي زاروها، بل إن منهم من تم استقطابه بها. لعلّي أذكر أن بعض تلك الزيارات قد لا تكون إيجابية، ولكن في كثير من الأحيان المبادرة والمحاولة تكون مجدية ومثمرة.
2- الالتحاق بمراكز التدريب العملي لدى الشركات والمؤسسات في البلد التي يدرس بها المبتعث. وأظن أن وزارة التعليم العالي والملحقيات الثقافية قد مهّدت لهذا، لكن لابد أن يتابع المبتعثون هذا الموضوع، ويستفيدون منه، فهم المعنيون بالأمر أولاً وأخيرًا.
3- الأمر الأهم في نظري، لِمَ لا يقوم كل مبتعث بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية والخاصة في مجال تخصصه والجامعات بالمملكة، لقضاء فترة تدريب تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى سنة، يقيم من خلالها العديد من العلاقات الشخصية والمهنية، ويتدرب في تخصصه عمليًّا، ويثبت لصاحب العمل جدارته وإخلاصه وطموحه، تمهيدًا لانتسابه لتلك المؤسسة حين يعود بصفة نهائية للمملكة.
أعزائي المبتعثين:
لقد ولّى زمن التلقيم spoon feeding، لقد كانت تلك مرحلة كان فيها المبتعثون -بل عموم الخريجين حتى من داخل المملكة- قلة، بل ندرة، وكان من حظهم أن حصلوا على ما حصلوا عليه من حظوة وتوظيف مباشر، وصعود سريع في سلم الترقيات والوظائف الإدارية والمراتب العلمية. أمّا اليوم فأنتم، وكذلك خريجو الداخل أصبحت أعدادكم تتجاوز مئات الآلاف، لذلك فالفرص تتضاءل والتنافس يشتد، ومَن ينتظر أن تأتيه فرصته في التوظيف أينما يكون، وعلى طبق من فضة، فهو حالم على أقل تقدير!
إنّ المبادرة، واقتناص الفرص، والاجتهاد للحصول على أعلى الدرجات من أرقى الجامعات، وتدعيم كل ذلك بالتدريب والتأهيل العملي، وإقامة العلاقات في ميدان العمل للتعريف بالمبتعث وقدراته، كلّ ذلك يمثل خارطة طريق للولوج بطريقة مُثلى إلى سوق العمل، بتخطيط سليم، وبروح إبداعية طموحة. لذلك فوصيتي لأعزائي من المبتعثين والمبتعثات هي: ألاّ تتركوا التفكير في أمر الوظيفة لآخر المطاف، بل يجب أن تشغلوا تفكيركم وتخططوا للحصول عليها، لأنها السبيل نحو تحقيق طموحاتكم الذاتية، والأهم من ذلك المساهمة في بناء الوطن وتقدمه.. لذلك كونوا كما تمنَّاكم وطنكم، وأهلوكم، وكافة مُحبِّيكم طموحًا وهمِّةً وتميُّزًا.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store