Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

فضاءات الفتنة

في إحدى حلقات برنامجه الشهير، حذّر الإعلامي داود الشريان من تنامي قنوات الفتنة المذهبية التي عززت ببرامجها من روح التباغض والتباعد بين أطياف المسلمين، وأدّت إلى تهيئة عديد من المجتمعات للانزلاق بسهولة

A A
في إحدى حلقات برنامجه الشهير، حذّر الإعلامي داود الشريان من تنامي قنوات الفتنة المذهبية التي عززت ببرامجها من روح التباغض والتباعد بين أطياف المسلمين، وأدّت إلى تهيئة عديد من المجتمعات للانزلاق بسهولة في مهلكة الصراع المذهبي والديني، الذي إن حدث فلن يُبقي ولن يذرَ أي بذرة للأمن والسلام المجتمعي. والشواهد على ذلك باتت واضحة للعيان، وأصبحت إفرازاتها المقيتة ماثلة لكل مبصر، ويكفي لمن في قلبه عمى أن يتأمل ما يجري في بعض دول الجوار من ذبح وإزهاق للأرواح بغير ذنب، وتفجير وقتل على الهوية، حتى لم يعد يعرف المقتول لماذا قُتل، ولا يُدرك القاتل لماذا قَتل؟!
ترى ما السبيل لأن تتفادى المجتمعات الوقوع في براثن هذا العنف اللاأخلاقي واللاديني، وتنأى بنفسها وأبنائها وأهليها عن الوقوع فريسة عند أولئك الإرهابيين الخوارج، الذين عشقوا النظر إلى الدماء شبقًا، وباتوا يتلذذون بسفكها ظلمًا وبهتانًا؟!
واقع الحال فإن الباعث والمُحرك لكل ذلك العنف والشبق في سفك الدماء، راجع إلى ضعف كبير في الوعي المجتمعي بكثير من قضاياه الدينية، بل وجهل مُطبق بأصول الدين ومقاصده الكلية، التي يأتي على رأسها الحفاظ على النفس البشرية.
تلك النفس التي شدد الله على عقوبة من يَخترمُ أجلها بصورة متعمدة بأشد أنواع العقاب الرباني، الذي جمع فيه بين النار، والغضب، واللعن، والعذاب المغلّظ، مصداقًا لقوله تعالى: (وَمَن يقتلْ مؤمنًا متعمِّدًا فجزاؤه جهنَّم خالدًا فيهَا وغضبَ اللهُ عليهِ ولعنَهُ وأعدَّ لهُ عذابًا عظيمًا)، كما شدد نبيّه على حرمة إزهاق الأرواح، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون على الله من قتل المسلم".
لقد أثبتت الوقائع المعاصرة أن التطرّف الديني هو السبب الرئيس لكل تلك الجرائم البشعة التي انتشرت حبائلها في ثنايا مجتمعاتنا المسلمة، وبالتالي وحتى ننقذ أنفسنا من تبعات مهلكة الانزلاق في دوامة الصراع الطائفي البغيض، بات واجبًا علينا تكثيف حالة الوعي ضمن ثنايا مجتمعنا، وتعزيز حالة التسامح قولاً وعملاً، والنأي بالمجتمع عن الدخول في متاهات الصراع المذهبي والديني، بتقديم خطاب منبري متسامح معتدل، يعكس روح الإسلام وصفاءه.
ولا شك أن ذلك لن يتأتى إلاّ إذا وُجدت الإرادة لإصلاح الفضاءات الإعلامية التي تعيش على إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين، بحجة البحث والتحقيق، والدفاع والنصرة، لكنها لم تحقق إلاَّ مزيدًا من الجفوة والتباعد، بل وعمدت إلى تشريع سفك الدماء والدعوة لذلك بصور متنوّعة.
ما أحوجنا اليوم إلى تعزيز قيم التسامح والقبول بالآخر ضمن ثقافتنا المسلمة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store