Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المواطن كشركة علاقات عامة

قرأت مؤخراً عدداً من المقالات التي تتحدث عن إنفاق الدول على حملات العلاقات العامة بهدف تحسين صورتها عالمياً، منها على سبيل المثال عقدًا لإحدى دول "الربيع العربي" مع شركة غربية بلغت قيمته ٢٥ ألف دولار

A A
قرأت مؤخراً عدداً من المقالات التي تتحدث عن إنفاق الدول على حملات العلاقات العامة بهدف تحسين صورتها عالمياً، منها على سبيل المثال عقدًا لإحدى دول "الربيع العربي" مع شركة غربية بلغت قيمته ٢٥ ألف دولار شهرياً. هذا الإنفاق على تحسين الصورة لا يقتصر على دول دون أخرى، بل إن حكومات غربية تنفق مبالغ طائلة على ذلك، فألمانيا مثلاً أنفقت عام ٢٠١٣م ١٢ مليون دولار على حملات تهدف للتأثير في بعض السياسات الأمريكية. والحكومة الأمريكية نفسها أنفقت عام ٢٠١٠م أكثر من ٩٤٥ مليون دولار على الإعلانات المدفوعة، وهذا الرقم لا يشمل الإنفاق على الحملات الأخرى المختلفة التي توقع التقرير الذي نشر الخبر أنه أكبر بكثير مما أنفق على الإعلانات.
السؤال هو ما مدى فعالية تلك الحملات في تحسين صورة الدول وفي قدرتها على التأثير في سياسات وقرارات الدول المستهدفة بها؟!
في اعتقادي أنه كما أن للعلاقات العامة دوراً هاماً ومؤثراً في تحسين صورة وسمعة الشركات، فإن الأمر صحيح أيضاً على مستوى الدول. المهم في الأمر أن تكون تلك الحملات مدروسة ومنفذة بشكل جيد، وأن تكون مصحوبة بممارسات حكومية تدعمها على أرض الواقع على أصعدة مختلفة كالعدالة وحقوق الإنسان وحماية البيئة ومكافحة الإرهاب والتعاون الإيجابي مع المنظمات الدولية.
سؤال آخر هام هو: هل تقع مسؤولية تحسين صورة وسمعة أي بلدٍ كانت على الحكومة فقط أم أنها مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطن؟!
الواقع أن التعاقد مع أفضل شركات العلاقات العامة لا يمكن أن يحسّن صورة أي بلد دون أن يكون هناك جهد مشترك بين الحكومة ومواطنيها، بل إن تأثير المواطن ودوره قد يكون هو الأكبر والأهم بهذا الصدد.
لقد تحول العالم اليوم إلى قرية صغيرة تنساب فيها المعلومات بين القارات دون قيود أو شروط، ولم يعد هناك خبر محلي وخبر خارجي، حيث ألغت التكنولوجيا الحدود بين الإعلامين الداخلي والخارجي. هذا كله يعني أن ما يقوم به أفراد المجتمع من ممارسات في مدن مثل الرياض أو القاهرة أو الدار البيضاء مثلاً وتتداوله فضائياتهم وشبكات تواصلهم الاجتماعي، سيراه ويتفاعل معه الناس في كل دول العالم وسيرسمون بموجبه في أذهانهم صورة لتلك المجتمعات سواء كانت إيجابية أو سلبية.
تصوروا معي أيضاً أن بلداً كالسعودية يعيش فيها ٩,٧ مليون عامل غير سعودي، ويقصدها سنويا قرابة مليوني حاج.. ماذا لو قام كل سعودي بالتعامل برقي وأخلاق وعدل مع كل من يقابلهم ويتعامل معهم من هؤلاء الضيوف (وكثير منهم يفعل)؟ ماذا لو قامت كل أسرة بإكرام سائقيها وعاملاتها وعاملتهم بالحسنى؟ ماذا لو قامت كل شركة بمعاملة موظفيها بإنسانية وإنصاف ووفرت لهم السكن اللائق بدلاً من تكديسهم في غرف صغيرة تفتقر لأبسط معايير الصحة والسلامة؟
تصوروا لو أن كل فرد من هذه الملايين عاد إلى بلده ووصف السعودية والسعوديين بأطيب الأوصاف وأجملها.. أؤكد لكم أننا لن نحتاج حينها لأي شركات علاقات عامة، وأن انعكاس ذلك سيراه كل فرد منّا بأبهى صوره أينما حل وارتحل.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store