Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مواطنون وكفى

جميل أن تنشر صحافتنا كل هذا الكم من مقالات الرأي التي أدانت بمنتهى الحزم جريمة الدالوة بالأحساء، ودافعت بشراسة عن الوحدة الوطنية، واتخذت موقفًا واضحًا من مناخ التعبئة الطائفية الذي تسبب في استشهاد عدد

A A
جميل أن تنشر صحافتنا كل هذا الكم من مقالات الرأي التي أدانت بمنتهى الحزم جريمة الدالوة بالأحساء، ودافعت بشراسة عن الوحدة الوطنية، واتخذت موقفًا واضحًا من مناخ التعبئة الطائفية الذي تسبب في استشهاد عدد من المواطنين ورجال الأمن.
أقول إن كل ذلك جميل ومبشر بالخير، لكن يظل هناك سؤال مهم للغاية: أين كانت كل تلك المقالات وكل أولئك الكتاب منذ أن بدأ دعاة الفتنة في إيغار الصدور وإشعال الأحقاد تجاه أهل القبلة وتخوين أبناء الوطن، فقط لأنهم لا ينتمون إلى المذهب السني؟!
لقد كتبت وغيري مُحذِّرين منذ سنوات مما يُحاك لوطننا ولبلاد الوطن العربي من فتن، ونشرت وغيري عشرات المقالات التي أدنَّا فيها بمنتهى الصراحة قنوات الفتنة، ودعونا من خلالها إلى محاسبة كل الدعاة والكتاب والإعلاميين الذين حاولوا على مدار سنوات، استغلال القلاقل والاضطرابات التي تمر بها المنطقة بغرض تهميش الوطن لصالح المذهب والطائفة.
أكثر من كل ذلك، فقد تحملت وبعض من كانوا على شاكلتي، الغمز واللمز، وتحملنا حملات قادها البعض للتشكيك في وطنيتنا وديننا، فقط لأننا حرصنا على أن نطفئ لهب الفتن. وعني شخصيًا، فقد كتبت إحدى الكاتبات مقالًا هاجمتني فيه ودعت إلى تعيين لجنة لمناصحتي (وأمثالي) بحجة أننا نحمل ولاء جهات خارجية، وأننا لا نقل خطرًا عن الإرهابيين!.. فهل ننتظر من هؤلاء اليوم موقفًا صريحًا يحتوي على مراجعة حقيقية للذات، أم أن هذه الفئة من الكتاب ستكتفي الآن، وبعد وقوع حادثة الدالوة، بإدانة الإرهاب وتجريم الطائفية، وكأنهم لم يكونوا جزءًا من مناخ التحريض على الآخر واستئصاله؟!
المحبط أن بعض المحسوبين على التيار الليبرالي، وبحجة معاداة النظامين السوري والإيراني، انجرّوا إلى الحديث بلهجة غلب عليها النَّفَس الطائفي، حتى أن الصديق والزميل الرائع المعروف بتسامحه وصدقه وحسه الوطني الأصيل، الأستاذ جمال خاشقجي، كتب في ذروة حماسه لإسقاط النظام السوري، عن صعوبة تحقيق وفاق وطني مع مواطنينا من الشيعة، قبل أن يظهروا موقفًا معاديًا للنظام السوري بشكل واضح!.. وكأن إخواننا الشيعة مسؤولون عما يحدث في سوريا..! فإذا ما تبرأوا من نظام الأسد كان بها، وإذا لم يفعلوا فعليهم أن يتقبلوا كل ما يمكن أن يلحق بهم من اتهامات وعزل وعدم قبول!
بالمقابل فإن أحدًا من الكتاب المحاربين للطائفية، لم يتهم المتعاطفين مع جماعة الإخوان -مثلًا- بعدم الانتماء للوطن، وهونفس موقفنا تجاه من تعاطف مع ما يُسمَّى بالجهاد الأفغاني وطالبان والقاعدة، بل وحتى النصرة وداعش.. فالمواطن المضلَّل يختلف عن من يقوم بتضليله، والمساواة بين الاثنين لا تجوز، فالمواطن يظل مواطنا رغم كل شيء، وموقفه من بعض القضايا الخارجية لا يجب أن ينسحب على حقه في المواطنة.
إن فض الاشتباك بين قضايا الداخل وقضايا الخارج، هو أمر أساس لعدم منح الفرصة أمام المحرّضين لخلط الأوراق واستيراد الفتن من دول الجوار، التي لم تكن لتصل إلى ما هي عليه الآن، لولا هذا المناخ التحريضي المسموم.
نحن الآن أمام مفترق طرق، فإما أن يكون الوطن والمواطنة فوق كل شيء، وإما نتائج لا تُحمد عقباها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store