Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بكر بن لادن.. عزائي لكم

دخلت إلى الصالة الواسعة التي كانت تجرى فيها مراسم عزاء الوالدة فاطمة باحارث -رحمها الله- فقدمتُ التعازي الصادقة ثم جلست في مقعدي حزينة، بين أحزانى أحاول ترتيب تلك الصور والذكريات التي راحت تأتيني كنهر

A A
دخلت إلى الصالة الواسعة التي كانت تجرى فيها مراسم عزاء الوالدة فاطمة باحارث -رحمها الله- فقدمتُ التعازي الصادقة ثم جلست في مقعدي حزينة، بين أحزانى أحاول ترتيب تلك الصور والذكريات التي راحت تأتيني كنهرٍ جارف لا يتوقف.
ما إن تزوجتُ حتى كان عليَّ أن أبتعد عن أمي وعن عالم مكة التي أعشق. لم أكن قد ابتعدت عنهما من قبل بتاتاً، ولهذا فقد صعب عليَّ الأمر كثيرًا في بداية زواجي، حتى أنني كنت أتلوّع لسماع صوت أمي، ولكن كيف؟ ففي ذلك الوقت لم يكن الهاتف متاحًا لنا في بيتنا. عرفتُ بطريقة ما أن الوالدة «أم سالم بن لادن» تملك في بيتها خدمة الهاتف، فقررت أن أذهب إليها وأطلب منها السماح لي بالاتصال بأمي رغم أنني لم أكن قد قابلتها من قبل.
طرقتُ الباب وما لبثت «أم سالم بن لادن» أن جاءت بنفسها لاستقبالي. أخبرتها وبكثير من الخجل بحاجتي، وقد شعرت حينها بأنها قد لمست لوعة الفتاة الشابة إلى التحدث مع أمّها وسماع صوتها، فقالت لي بلهجتها المكاوية الحميمة مصحوبة بابتسامة حنان رقيقة: «تفضلي، بيتك..».
بعد أن اتصلت ببيتنا في مكة وعادت إليَّ الروح بتحدثي إلى أمي، راحت «أم سالم» تسألني عن حياتي هنا في جدة، محاولة أن تبني جسرًا لقلبي، ولكنني شعرت حينها بأنّها كانت تبني لي فعلاً جدارًا استناديًا يدعمني تلك الأيام، ثم طلبت من مديرة البيت أن تسمح لي بمهاتفة أمي في أي وقت أشاء، ثم ودّعتها ورحلتُ.
عشتُ أيامًا طويلة أعوم في بحر الرّقة والحنان اللذين أحاطتني بهما. لم تكن صورتها ولا وجهها الحنون يغيبان عن تصوّري ولا عن شغاف قلبي بعد أن لمسته تلك الأم الحنونة بمجرد لقاء واحد سريع. إلاّ أنني سرعان ما انشغلت بولادة طفلي الأول فمرّت الأيام والأسابيع دون أن نلتقي مرة أخرى إلا أنني كنت أتذكّرها وأتمنّى ملاقاتها من جديد.
كنتُ قد حسبتُ أنها قد نسيتْني إلا أنني كنت مخطئة، فقد جاءت لزيارتي. جاءت لتعرف ما جرى لي، ولماذا لم أعد أزورها، وما فعلته الأيام معي. دامت الزيارة ثلاث ساعات أمضيتها في رحاب نهرٍ من الحنان والمحبة يجري باحثًا عمن تحتاج إلى ذلك الحنان وتلك المحبة ليطفئ الظمأ.
نهضتُ لأعزّي مرة أخرى بناتها هدى وسعاد وزينات وأرحل.. وسؤال كبير يرتسم على شفتي خجلتُ من أن أتفوّه به في عزائها، وهو: منذ متى وأنت كبيرة هكذا يا سيدتي.. أحسست أن السؤال الذي أتمتم به كأنني أسأل خريطة العالم منذ متى وأنت خريطة لهذا العالم!! فيا حبيبتنا.. يا من كنت أناديك بأمي، يا من تسبحين كالأسماك في مياه قلوبنا قولاً وعملاً وتعاملاً.. أبقيتِ لنا الكثير في هذه الحياة من الذكريات.. وجودك في حياتي هنا في جدة جعلتها مدينة قابلة للسكنى، والحياة ممكنة في تلك الأيام!!.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store