Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

العنف في الخطاب الفكري

في بحث علمي سابق بعنوان: "العنف في الخطاب الفكري: جدلية العلاقة بين الحقيقة والمجاز في خطابنا الفكري الإسلامي"، المُقدَّم لمؤتمر تحديات الخطاب الثقافي العربي بمدينة تبوك قبل عدة سنوات، أشرتُ بوضوح إلى

A A
في بحث علمي سابق بعنوان: "العنف في الخطاب الفكري: جدلية العلاقة بين الحقيقة والمجاز في خطابنا الفكري الإسلامي"، المُقدَّم لمؤتمر تحديات الخطاب الثقافي العربي بمدينة تبوك قبل عدة سنوات، أشرتُ بوضوح إلى أن الصراع السياسي من جهة، والرغبة في الحفاظ على مكامن السلطة خلال عهد الدولة الأموية، كانا هما أبرز عاملين مؤثرين في حدوث ظاهرة العنف والتطرف في خطابنا الفكري الإسلامي.
في تلك الورقة هدفتُ إلى المقاربة الفكرية لجدلية العلاقة بين الحقيقة والمجاز، التي مثلت أساس كثير من إشكالات خطابنا الفكري، وأوصل الخلاف فيها إلى حد القطيعة بين المسلمين، لمجرد الاختلاف في زاوية النظر إلى مكنون الأسماء والصفات لله سبحانه وتعالى، التي انطلق كل فريق من نقطة تنزيهه لله، ومع ذلك كانت نتائج الخلاف بينهما وخيمة إلى حد الولوغ في التبديع والتفسيق وصولاً إلى التكفير، وتبرير إزهاق الأرواح.
ولعل حادثة قتل الجعد بن درهم على عهد الدولة الأموية خير مثال على ذلك، حيث قام والي العراق خالد القسري بذبحه صبح عيد الأضحى كما تقول السِّير، بحجة مروقه من الدين لرأي قاله وحسب. وكذلك الأمر مع غيلان الدمشقي، الذي قُتل وصُلب لرأي آمن به. وفي كليهما كان الدافع السياسي وراء مقتلهما بشكلٍ كبير. ثم توالت المحن لنصل إلى أزمة القول بخلق القرآن، الذي ذهب ضحيتها العديد من العلماء ومنهم الإمام أحمد بن حنبل كما يذكر التاريخ.
أمام هذا المأزق، ألا يجب أن نتوقف مليا، لنتدبر في سبل الفكاك من أزمة التطرف الفكري؟ لذلك فقد تضمنت ورقتي السالفة عددا من التوصيات، أرى حتمية الاهتمام بها، لخلق مجتمع معرفي خال من التطرف قدر الإمكان. وتتمحور تلك التوصيات في النقاط التالية:
1- أن نعطي أنفسنا مساحة واسعة من إعادة التفكير والتأمل، والنظر في ملفات الموروث الفكري برؤية جديدة، بعيدا عن تشنجات القراءات السالفة، التي كتبت وفق ظروفها الزمانية والمكانية.
2- العمل على تفعيل خاصية مرونة العقل الإسلامي، الذي تمكّن من استيعاب وهضم مختلف الأفكار والآراء العلمية والفلسفية، وعكسها ضمن إطار حضاري متجدد.
3- القبول بتعددية المعالجات وأنظمة التفكير بما يثري حالة التنوّع، ويُعزِّز من لبنات التسامح ضمن إطار مجتمعنا الفكري.
4- تصحيح مفهوم قيم الحرية والاختيار ضمن إطار منظومة القيم الفكرية، لنتمكن من تأسيس مجتمع واعٍ.
5- تحرير مفهوم القداسة للفهم البشري للنص الديني من الغلو العملي، الذي وضح في كثير من ردود الأفعال، وبرزت آثاره العنيفة في بعض الكتابات المشحونة بالإقصاء والتفسيق والتضليل وصولاً إلى التكفير.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store