Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إيران وحرب (الثلاثين سنة) الإسلامية

خلال برنامج تلفزيوني فرنسي عن الكوريتين، الشمالية والجنوبية، استشهد أحد الكوريين في حديثه؛ عن السلاح النووي الكوري الشمالي، وإصرار "بيونج يانج" الاحتفاظ به، استشهد بالقذافي قائلاً: إن الليبيين تخلّوا

A A
خلال برنامج تلفزيوني فرنسي عن الكوريتين، الشمالية والجنوبية، استشهد أحد الكوريين في حديثه؛ عن السلاح النووي الكوري الشمالي، وإصرار "بيونج يانج" الاحتفاظ به، استشهد بالقذافي قائلاً: إن الليبيين تخلّوا عن خيارهم النووي بناء على طلب أمريكي، "فكان أن حفروا قبورهم بأنفسهم". ومن المؤكد أن هذا الأمر ليس غائبًا عن أذهان الإيرانيين وهم يتفاوضون حول سلاحهم النووي. ومن الواضح أن أمريكا وحلفاءها في المحادثات النووية يُركِّزون مسعاهم على تقليص قدرات إيران فقط في تجميع أو تصنيع قنبلة نووية خلال وقت قصير.
ومنذ وقت ليس بالقصير، وبصرف النظر عن القضية النووية، لوحظ أنه يجري إغراء ايران الدخول في حرب مذهبية، سنية - شيعية، حيث جرى بالفعل تمكينها من العراق.. ومؤخرًا تراجع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عن التدخل في سوريا أو الدفاع عن خطه الأحمر فيها؛ ليفتح الباب على مصراعيه لتتولى إيران حماية نظام الأسد بعصاباتها، وبعض حرسها.. ثم ظهرت دولة (داعش) فجأة التي يُسمِّيها بعض من الإعلام الغربي (بالدولة الإسلامية السنية)، ليُتاح لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني تصوير نفسه في العراق وهو يحتفل مع مقاتليه بالانتصار في إحدى المعارك ضد دولة خلافة البغدادي.
الغرب بشكلٍ عام، وأمريكا بشكلٍ خاص، قلق منذ وقت طويل من كتلة إسلامية تزيد عن البليون مسلم. ويخشى أن تتحد هذه الكتلة، أو جزء منها تحت حكم ديني يُكرِّر التجربة الأوروبية في حروب داخلية، وتوسع خارجي تحت حكم بابا يحكم باسم الدين حسبما يراه. وعانت أوروبا من سيطرة كنيسة روما الكاثوليكية وأحكام البابا وتحكم فرد واحد بمُقدَّرات الشعوب الأوروبية.. وخلال عشرات السنين كتب الدارسون والمحللون الغربيون العديد من الأبحاث والكتب؛ مُنبّهين إلى خطر ستُشكِّله الكتلة الإسلامية الضخمة متى تماسكت، واقترحت تلك الدراسات عدة حلول لذلك.. وهناك احتمال بأن ما يجري في الوقت الحاضر هو تعجيل بتنفيذ بعض من هذه الحلول.
وإضافةً لذلك فإن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، باراك أوباما، تضم مجموعة من الباحثين الذين يرون أن أي اتفاق يمكن لرئيسهم التوصل إليه وتوقيعه مع إيران بالإمكان تصويره إعلاميًّا على أنه انتصار لرئيس ليبرالي يوازي ما حققه الرئيس المحافظ نيكسون بزيارته للصين وفتح أبوابها للتجارة الأمريكية. وربما يعتقدون أيضًا بأن هذا الأمر سيجعل الخلاف السنّي - الشيعي ينطلق في حربه المتوقعة بوتيرة أسرع.. ومنذ أن دخل أوباما البيت الأبيض عام 2009 وهو يتغنَّى بحسنات التقارب مع إيران. ودخل في محادثات سرية مع طهران في مسقط بسلطنة عمان عام 2012، بالإضافة إلى مساراته السرية الأخرى مع الإيرانيين. وكتب في شهر أكتوبر الماضي رسالة سرية أخرى إلى آية الله خامنئي، جرى تسريب بعض محتواها، عرض فيها أنه في حال تم الوصول لاتفاق حول قدرات إيران النووية، فإن أمريكا ستشرك إيران في الحرب على (داعش)، وتعهد بأن هدفه في سوريا ليس التعرض لنظام الأسد، أو السعي لإسقاطه. وهذه الرسالة هي الرسالة الرابعة التي يرسلها أوباما لخامنئي. ولم يتلق ردًّا لا على هذه الرسالة ولا سابقاتها.
الحروب الدينية والمذهبية من أسوأ الحروب وأكثرها دموية. وعانت أوروبا كثيرًا منها في القرن السادس عشر ميلادي.. في ذلك الوقت كانت الكنيسة هي الحاكم، وكانت الفتاوى الكنسية البابوية هي القانون والعامل الرئيس في حياة الناس، إلى أن ظهرت البروستانتينية كمذهب إصلاحي، وتجرّأ مارتين لوثر على انتقاد البابوية والقداسة التي كانت تلبس سلطتها بها، وخرجت تلك الحركة الإصلاحية على الناس بفتاوى وتفاسير للدين وأحكامه هددت قبضة الكنيسة على حياة الناس، ممّا تطوّر إلى حروب باسم الدين ساهمت في تغيير العلاقة ما بين الدين والدولة، ووطدت مبدأ الأمة، وفصلت الدين عن الدولة، وتعرّضت أوروبا لحروب دينية طويلة، حينها تعارف على تسميتها بحرب الثلاثين سنة، كما دخلت إنجلترا بنفس الوقت في حرب أهلية خاصة بها لنفس السبب.
ومن بضعة أسابيع علق أحد السياسيين الأمريكيين على ما يجري في منطقتنا بوصفها بأنها حروب مشابهة لحروب الثلاثين سنة الأوروبية في القرن السادس عشر.
من يحارب في الجانب السنّي هم مجاميع من العصابات الإرهابية، وحركات إسلام سياسي، فيما يقف في الجانب الآخر -أي الجانب الشيعي- دولة دينية مذهبية تتولى قيادة جماعات إرهابية بمسمّيات متعددة إلى جانب قوات نظامية.. العصابات الإرهابية والحركات السياسية المساندة لها يمكن معالجة أمرها في حال تمكّنت الدولة الإيرانية من حرمان هذه الحركات من مبرر حربها المذهبية الدينية، ممّا يشير إلى أن الحرب الدينية بين السنّة والشيعة التي يُبشِّر بها بعض الساسة الغربيين لن تقوم إذا استطاع قادة إيران التراجع عن مغريات توسعاتهم في العالم العربي.
حل المعضلة القائمة بحاجة لحل سياسي يقتنع رجال الدين بمختلف مذاهبهم على مباركته، ويستعد الجميع للإقدام عبره على تنازلات مؤلمة، أكان من قِبَل الساسة أو الفقهاء، وتقتنع الطبقة الحاكمة في إيران بأن البرامج التوسعية الطموحة التي وضعت أيام الحكم الشاهنشاهي ويُنفِّذونها اليوم لن تؤدّي سوى إلى تحقيق توقعات الحرب الدينية الشرسة في المنطقة، وتؤدّي لمقتل وتشريد الملايين من المسلمين من كل المذاهب، وسيكون من نتائجها تغيير كامل للمنطقة ستصبح ايران أحد الخاسرين الكبار فيها، ولن تبقي على الطبقة الحاكمة التي تدفع بالشرق الأوسط بسياستها الحالية (وبقنبلتها النووية أو بدونها) إلى الهاوية.
إيران بهويتها المذهبية خلقت وضعًا شاذًّا في المنطقة، مشابهًا للوضع الذي فرضه زرع إسرائيل على الأرض الفلسطينية، إلاّ أن التوسع الإيراني مستغلاً المذهب الديني الذي أقام دولته على أساسه، ونشاطه خارج منطقته يُوفِّر عوامل إشعال حرب ضده حتى قبل أن يتمكن العرب من معالجة الوضع الشاذ الآخر: إسرائيل، وبصرف النظر عن سلاحها النووي هي الأخرى. فهل تعي إيران ما هي فاعلة بنفسها، وباقي المسلمين؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store