Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التعليم العالي.. بين الوفاء وسقف التوقعات

‏حين يترجّل المسؤول "الوزير"، فإنني‬ أتساءل لماذا لا يمارس المجتمع فضيلة الوفاء كقيمة مجتمعية راقية وخُلق سام؟!.

A A
‏حين يترجّل المسؤول "الوزير"، فإنني‬ أتساءل لماذا لا يمارس المجتمع فضيلة الوفاء كقيمة مجتمعية راقية وخُلق سام؟!.
أثناء وجود الوزير على رأس الهرم، يمارس البعض التملق والنفاق، وكما قيل: "إن القلم المُحابي قد يصنع من النكرات عمالقة، بينما قد يقوم الإهمال الرافض بإلقاء الشخص العظيم في غياهب التاريخ المُظلمة". حتما سيُسلّم الوزير إنجازاته وكافة أعماله للتاريخ ليحكم لها أو عليها، وكما يقول كارلايل في مـقـالٍ لـه بعنوان: (الـتـاريـخ): "لـيـس هـنـاك تـاريـخ بالمعنى الدقيق للكلمة، هناك فقط سير شخصية".
على مدى أربعة وعشرين عاماً من مسيرة التعليم العالي، كان هناك الكثير من الإنجازات، التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ازدياد عدد الجامعات من أربع فقط إلى ما يزيد على الثلاثين جامعة (حكومية وخاصة)، برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، المستشفيات الجامعية العشرون التي تحت الإنشاء الآن، المدن الجامعية الجديدة، ومشروع الخطة الإستراتيجية للتعليم العالي "آفاق"، بلا شك أن هذه الإنجازات صاحبها العديد من الصعوبات والعثرات. لقد بذل معالي الوزير السابق جهداً كبيراً جداً أن تكون توجيهاته وقراراته ومشاريعه ممارسات مؤسسية مدروسة، لا تصرفات مزاجية أو عاطفية أو شخصية. وبصفتي كأكاديمي أستطيع أن أجزم أن معاليه قد نجح في ذلك كثيراً، وبقدر ما أدخل السرورعلى الكثير من الأشخاص (أفراداً وعائلات)، إلا أنه لا بد أن يكون قد أغضب الكثيرين أيضاً، وهذا أمر طبيعي، إذ لا بد أن يجد المسؤول الأول نفسه مضطراً لذلك في بعض الأحيان، فإرضاء كل الناس من المحال.
إن من الوفاء أن تنهض مجموعة من محبي الوطن المتخصصين لتدرس -بكل موضوعية وتجرد- الحقبة التي مضت من مسيرة التعليم العالي، لتأريخ تلك الحقبة وتوثيقها، ولاستخلاص الدروس والإيجابيات والسلبيات، بهدف الاستفادة مما تخرج به الدراسة التقييمية، ولعل ذلك يكون قريباً، خدمةً للوطن وللمسؤولين الذين هم على رأس الهرم الآن ومستقبلا.
إن الوقت المناسب لذلك هو الآن، وليس قبل ذلك. لقد صاغ العَالِم جون تندال John Tyndall هذه القضية بشكل جيد (عام ١٨٩٧م) حين قال: يجب على المصور حين يود أن ينظر إلى لوحته في صورتها الكُليّة أن يبتعد عنها مسافة معينة.
القصد من هذا المقال ليس الحديث عن مناقب وصفات معالي د.خالد العنقري، وهي كثيرة، ومن تعامل معه يعرف الكثير منها. ولعل من أجمل ما كُتب في نظري، هو مقال د. عبدالله الطاير على الفيس بوك بعنوان: (قصتي مع معالي وزير التعليم العالي السابق الدكتور خالد بن محمد العنقري). لكنني أهدف لأن أُركِّز على مفهوم الوفاء، خصوصاً في مجتمع التعليم العالي الراقي، ولزملائي وأحبتي أقول: "الوفاء ليس سوى احترام لالتزاماتنا" كما يقول المثل. بينما الصمت الآن يكون مثيراً لعلامات الاستفهام والتعجب، إن لم نتحرك ونناقش وندرس ونشرح تلك المرحلة بكل إيجابية وتجرد، ولنتأمل العبارة البليغة التي قالها مارتن لوثر كنج: في النهاية نحن لا نتذكر كلمات أعدائنا بل صمت أصدقائنا، وليتذكر الجميع أنهم في يومٍ ما سيرحلون عن مناصبهم ومواقعهم الوظيفية.
وزارة خدمية كالتعليم العالي، من الطبيعي أن يكون حجم وسقف التوقعات، أداءً وإنجازاً، عالياً جداً. خصوصاً أن دورها يرتبط بالتعليم ومستقبل الأجيال الشابة وتكوين ثقافاتهم ومساراتهم المستقبلية، وبالتالي صياغة مستقبل الوطن. وبقدر تتابع الإنجازات، يرتفع سقف التوقعات، وقد يُصاب المجتمع بعدم الرضا وبالإحباط أحياناً، عندما يرى أن الأمور لا تسير كما يحب أو يريد.
سألني أحدهم ممن يكنّ محبة للوزير السابق: "وهل بقي شيء يُقدّمه الوزير القادم؟، وكانت إجابتي الفورية: نعم وبالتأكيد، بل إنني أعتقد أن هناك الكثير ليُقدّمه، ومن يعرف معالي د. خالد السبتي يجزم بأنه:
* سوف يبني على ما تم إنجازه في الفترة السابقة، ولن يقوم بإلغائه أو إهماله أو تهميشه، كما درج على ذلك البعض، وسوف يُقيّم التجربة كاملة ويضيف إليها.
* الأهداف العليا للتعليم العالي، والتي أرستها توجيهات ولاة الأمر، سوف تستمر وتطوّر، ومن أهمها التحوّل إلى مجتمع معرفي، وبرنامج الابتعاث كإحدى الآليات الرئيسية لإحداث نقلة نوعية معرفية في المملكة، كما ذكر معاليه في تصريحاته بعد التعيين.
* العمل على تجسير العلاقة بين التعليم العالي والتعليم العام، خصوصاً أن معاليه قادم من منظومة التعليم العام.
* تبنّي التطوير: إستراتيجية ومنهجاً وأدوات، سواءً على مستوى الوزارة أو الجامعات، وإيجاد صيغ مبتكرة لتطوير العلاقة بين الجامعات ومدرائها، وبين الوزارة كمؤسسة راعية للتعليم العالي.
لست هنا لوضع برنامج عمل للمرحلة القادمة، ولا حتى اقتراح خطوطه العامة، لكنني أُشدِّد على أن من الوفاء للتعليم العالي ورجالاته هو إكمال الرسالة والمهمة بكل تجرُّد وإخلاص، وهو ما لا ينقص القيادة الجديدة للتعليم العالي، والتأكيد كذلك على أن سقف توقعات المجتمع سوف يرتفع أكثر وأكثر مع كل إنجاز.
في الختام أُكرِّر مقولة أعجبتني: "ليس هناك وصف للقائد أعظم من أنه يساعد رجاله على التدريب على القوة والفعالية والتأثير"، وفي نظري أن محور النجاح لكل ذلك: هو التفويض المسؤول لأولئك الرجال.. وبالله التوفيق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store