Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

فلسفة الصداقات

* تعدّ الصداقة علاقة اجتماعية راقية تربط بين شخصين وربما ليس ثمة قرابة أو صلة رحم أو دم بينهما وتقوم على أساس المودة والحب والتعاون والإيثار والتضحية بينهما..

A A
* تعدّ الصداقة علاقة اجتماعية راقية تربط بين شخصين وربما ليس ثمة قرابة أو صلة رحم أو دم بينهما وتقوم على أساس المودة والحب والتعاون والإيثار والتضحية بينهما.. وللإنسان حاجة ضرورية لتبادل مشاعر الإخاء والصدق والنصح والركون إلى من تهدأ وترتاح له نفسه ويجد عنده المشاعر الإيجابية السليمة والأهم من كل ذلك الشعور بالثقة، التي يقوم على أركانها بناء الصداقة الحقيقية، مما دفع أرسطو في التراث اليوناني إلى تعريفها (العطف المتبادل بين شخصين يريد كل منهما الخير للآخر) والمرء مجبول بطبعه على التعايش مع الآخرين ولا يحب أن يكون وحيدًا.. بل إن من أشدّ وسائل التعذيب للسجين هي أن يترك منفردًا لأنها مشاعر غاية في الألم والانكسار والإحباط النفسي..
* إلا أن ثمة نماذج من الصداقات والأصدقاء منها ما يشذ عن الصواب مثل صداقة المنفعة واللذة.. فالأولى سرعان ما تزول بزوال السبب والفائدة والانتفاع منها وما أكثرها في هذا الزمن وكلها تنتهي بانتهاء اللذة والمتعة، فالكثيرون حتى من أحسنت إليهم من الأصدقاء والمعارف وحتى الأقارب سرعان ما ينفضون من حولك إن لم يجدوا عندك منفعة أو فائدة،!! أما الثانية فتنحلّ أيضًا بانقضاء اللذة مثل الاستمتاع باللعب المشترك أو القيام بنشاط مشترك بين الصديقين يُشكلّ لكل منهما لذة ومتعة أو السهر المشترك وربما الاشتراك في الهوايات السيئة وغير ذلك، مما يوقع المرء في شراك أصدقاء السوء الذين يحققون له المتعة المؤقتة المدمرة..
* وتؤدي الصداقة من منظور علم النفس إلى خفض مشاعر الوحدة ودعم المشاعر الإيجابية السارة مثل المقارنة الاجتماعية والإفصاح عن الذات والمساندة المجتمعية والاشتراك في الميول والاهتمامات والدعم المادي أحيانا، بل إنها تعمل عند الأطفال منذ نعومة أظافرهم على إتاحة الفرص لتعليم المهارات الاجتماعية والمحاكاة في السمات والقدرات.. فضلا عن المنافسات في اللعب التي تولد منذ نعومة الأظافر وقد تستمر في ريعان الشباب والكبر.
* وقد تناول الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه الأمر من منطلق الجليس والرفيق في حديث أبو موسى في صحيح البخاري (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة) ولقد صوّر عليه الصلاة والسلام العلاقات الاجتماعية المعنوية في أمثلة واقعية حسّية.. وذكر الصورتين النقيضتين بشكل محسوس ملموس كالرائحة الطيبة والخبيثة وحرق الثياب أو اقتناء الطيب ليرسّخ مفهوم التفضيل المعنوي (ضدان لما استجمعا حَسُنا.. والضد يظهر حسنه الضد) ولذلك كان حرّيًا بنا أن نختار لأنفسنا الصديق الفاضل الصدوق الأمين الثقة الذي قد تجد عنده- بكل أسف مالا تجده عند الأهل والأقرباء فصنف الفضيلة والصديق الفاضل هي من العملات النادرة والتي عدّها العرب من المستحيلات الثلاث (الغول.. والعنقاء.. والخلّ الوفي).. لندرة وجود ذلك الخلّ الوفي.. ولاسيمّا في زماننا المادي الذي نعيشه والذي غلبت فيه المصالح والأهواء وعمّ فيه التحاسد والتباغض والشحناء بين الأهل والإخوان والأقرباء ناهيك عن الغرباء بيد أننا لا نستطيع اتخاذ تلك المظاهر السلبية ذريعة لليأس والانقطاع عن الناس، ولكن علينا الحذر والانتقاء فكثيرًا ما يحتاج المرء إلى إعادة النظر في أجندة وفهرس هواتف وعناوين أصدقائه وربما معارفه وأقاربه ليحذف كل يوم ويُبقي على الخلصاء ولو كانوا قلّة.. فالمعيار قوله تعالى (الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلاّ الْمُتّقِينَ) ثم معيار حديث الجليس السوء.. فالتقوى هي أساس الاختيار والمعاشرة والصحبة فالتقي النقي الذي يحفظك في غيابك ويعينك على طاعاتك وعباداتك ويذكرّك إن نسيت ويحذرك إن جهلت أو عصيت ويتنافس معك في التقرب إلى الله ويحبب لك الطاعات ويكرّه إليك المعاصي. والصديق الحقيقي هو الذي تكون معه كما تكون وحدك فهو بمثابة النفس.. يقبل عذرك ويسامحك إن أخطأت ويسد مسّدك في غيابك هو الذي يحفظ أسرارك ويصدقك القول ويدافع عنك. وهو جلّ ما ينشده الإنسان لحياته وآخرته.. فالصحبة الطيبة سفير المحبة والصلاح.
* لذلك كان من الضروري النظر في صداقات وصحبة من نعول حتى ولو اختلفوا معنا أو غضبوا منّا لأن المحاكاة، كما سبق هي السائدة بين الأقران والأصحاب فإما إلى الصلاح أو إلى الفساد والجحود.. والنشء بطبعه مجبول على المحاكاة والتقليد ويشده إلى أقرانه الحنين والود فإذا لم نغرس فيه حصن التقوى الحصين خضع لمغريات الآخرين وسلك سلوكهم.

** دوحة الشعر:
فـما أصـغـرَ الـدنـيـا بـعـيـنيَ مـجـّرب
يـرى كــلَّ يَــومِ لـلـخـيـانـاتِ مـشـهِـدا
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store