الجامعات والحاجة للتطوير الحقيقي

الجامعات في كل بلدٍ مُتحضّرتحتل مكانةً كبيرة من الاهتمام والتعويل عليها في ملفاتٍ كثيرةٍ ومهمة وخطيرة.
الجامعات في أي بلد هي منارةٌ حضارية ، ومصدر إشعاع ونور وتنوير ، قضيتُها الرئيسة هي : (العلم) ولاشيء غيره! العلمُ بحثاً وتعليماً ونشراً ،العلمُ الذي يساهم في صناعة الإنسان وتطوير المكان ، العلمُ الذي يكون هادياً وقائداً وشغلاً شاغلاٍ!
العلمُ الذي تُصاغُ من أجله السياسات وتُحدّد الغايات وتُبذل الأموال والنفقات، العلمُ الذي يُنتج لنا جيلاً واعياً مفكراً وسطياً عاملاً ،الذي يُنتج لنا كتاباً ومصنعاً واختراعاً وإبداعاً وإنساناً !
كنتُ في زيارةٍ لعددٍ من الجامعات الأوربية ، وكنتُ أستمع لمكانة الجامعة عند الأوربيين ، فشدّني وهالني ذلك المكان وتلك المكانة !
الجامعة هناك مكانٌ عريق، لامجال فيه لغير ( العلم والبحث ) واليوم الجامعي يبدأ من الصباح المبكر جداً ولايكاد ينتهي إلا في ساعاتٍ متأخرة من المساء! والطلابُ والأساتذةُ في شُغُلٍ شاغل من البحث والدرس والجلوس في المكتبة!
بل إني وقفتُ على مكتبات مفتوحة وفيها أعدادٌ من الطلاب في منتصفِ ليلةٍ باردة شاتية! فسألتُ عنها: فقيل لي : هذه مكتبة الجامعة تعمل أربعاً وعشرين ساعة!!
مدير الجامعة هناك : عالمٌ ومهيبٌ وقديرٌ وذو مكانةٍ عاليةٍ، كلُّ ذلك: من غير هيلمان ولا حُجّاب ولا طقوس ولاشكليات ، هو كغيره من زملائه لايتميز عنهم ولايحتجبُ منهم !
لامجال هناك للمجاملات ولا مجال لإضاعة الوقت ، الكل يعمل الكلُّ يبحث الكل يجدُ حقَّه موفوراً غير منقوص .
وأنا أتامل وأشاهد، تعود بي الصورة بين طرفة عينٍ والتفاتتها إلى جامعاتنا عموماً ، ومبلغ اهتماماتنا فيها والتقاليد الجامعية التي نشأنا ونشأ طلابُنا عليها! فتجد أن وقت الجامعة والإدارة العليا فيها يُستنزف في قضايا وتفاصيل واهتمامات شكلية كثيرة جداً !
تجد أن الاهتمام بالأستاذ المتعاقد معه خصوصاً من جهة الكم لا من جهة النوع! فكم من أستاذٍ مُتعاقد يأتي ويذهب لم يستفد منه العلم والتخصص والطلاب شيئاً يُذكر! بل هو الذي استفاد!!
الجامعاتُ عندنا تحتاج ُأن تتطورَ تطوراً حقيقاً ، لتُصبحَ بيئةً جاذبةً للطلاب والباحثين والعلماء، بيئةً خصبة للعلم والبحث والإبداع ، ولن تفرح بهذا أو تقول وصلت حتى تدخل للجامعة في أي وقتٍ من صباحٍ أو مساء فتجدها شعلةَ نشاط وحيوية وتجدُ قاعاتها تضج بالحوار والنقاش، ومكتباتها تزدحمُ بالطلاب والأساتذة والباحثين على حدٍ سواء!
نحتاج لتطوير حقيقي في الجانب التحفيزي للأستاذ والباحث واختيار الكوادر القيادية على معيار الكفاءة والإنجاز والسيرة العلمية لاغير!!
أنظمة الجامعات ولوائحها مضى عليها حينٌ من الدهرِ وهي هي والزمان والإنسان يتطور في كل لحظةٍ وحين! ومع معالي الوزير الجديد والشاب فإنا نأمل في التجديد والتطوير وكلنا رجاء في الله ثم فيه ، والله الموفق.