Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

سلمان بن عبدالعزيز.. خدين الثّقافة والمعرفة وعطاءات إنسانيّة رفيعة

No Image

* كما أنّ سلمان بن عبدالعزيز لم يكن غريبًا ولا طارئًا على الفعل السّياسي، حيث اكتسب خبرته تلك من تراث والده المؤسّس الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله-، والذي كان حريصًا أن يكتسب أبناؤه ضروب العلم

A A

* كما أنّ سلمان بن عبدالعزيز لم يكن غريبًا ولا طارئًا على الفعل السّياسي، حيث اكتسب خبرته تلك من تراث والده المؤسّس الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله-، والذي كان حريصًا أن يكتسب أبناؤه ضروب العلم والمعرفة والثقافة، فإنّ الملك سلمان لم يكن طارئًا على ميدان الكلمة، الذي ارتبط به ارتباطًا وثيقًا؛ محليًا وعربيًا ودوليًا. وتأخذك الدّهشة بأنّه على الرغم من عمله أميرًا للرّياض ثمّ وزيرًا للدّفاع، ثمّ وليًا للعهد، كيف يجد الوقت ليتابع ما ينشر، ثمّ يتّصل في حميمية سائلاً أو معلقًا، دون أن يصدر أحكامًا مسبقة على ما دوّنه الكاتب في مقالته. فأتذكّر في هذا السّياق أنّني كتبت مقالاً في زاويتي بهذه الصّحيفة الغرّاء بعنوان "الخُطبة البتراء"، وكانت محاولة لتنبيه خطيب في أحد مساجد المدينة المنوّرة بأنّ خطبته لم تتضمن الصّلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، والترضية عن أصحابه وآل بيته، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وإصراره على الخطأ رغم تنبيه البعض، وتذكيره بصنيع خطباء المسجدين الشّريفين في مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة، وأنّ صلاتنا لا تصحُّ من دون هذا الرّكن الهام، فاتّصل سموّه برئيس التّحرير سائلاً عن الخطيب والمسجد، فذكرت أنّ إدارة الأوقاف ممثلة بمديرها تعرف ما يبحث عنه سموّه من معلومات هامة.
وكنت كذلك أثناء انعقاد المؤتمر الأوّل للمثقّفين السعّوديين برفقة الأستاذ الصّحافي المعروف الأستاذ محمّد صلاح الدين الدندراوي - رحمه الله -، وعندما انتهى حفل الافتتاح، حيث ألقى سموّه كلمة ضافية عن دور المثقف في تنمية الوطن، وضرورة الحفاظ على المكتسبات الفكرية والحضارية للأمّة، مع الانفتاح المنضبط على الآخر، فلمحت سموّه يسير في الاتّجاه الذي أقف فيه مع معالي الصّديق الدّكتور فؤاد فارسي، وزير الإعلام الأسبق، وكان يقف بجانبنا كذلك الكاتب والصّحافي المعروف الأستاذ عبدالله خيّاط، فاذا هو يوجّه الكلام مبتسمًا، ويقول: لقد استلمت اليوم رسالة من أحد الكُتّاب يعتب فيها على أنّ الدّعوة لم توجّه لمثقفي مكّة المكرمة، فأخذت المبادرة بإشارة من الدكتور الفارسي، وقلت مخاطبًا سموّه: إنّ الإخوة والأساتذة صلاح الدين وعبدالله خيّاط وفؤاد عنقاوي، هم جميعهم من أبناء الوطن وأبناء مكّة المكرمة. فعقّب الأستاذ صلاح - رحمه الله - ليقول: والدكتور فؤاد كذلك من أبناء مكّة المكرمة. وفي لمحة إنسانيّة صادقة ومعبّرة قال سموّه: "وأنا من أين؟ أنا من مكّة المكرمة".
وكنت بين الحين والآخر استشهد بها للتدليل على ذلك الحضور اللافت الذي يتمتّع به سموّه، متحدثًا ومعلّقًا أو مصحّحًا لمعلومة هنا أو هناك.
* سلمان بن عبدالعزيز الإنسان يتفقّد المثقّفين والكُتّاب إذا ما غابوا عن السّاحة لطارئ صحي وسواه، كما أنّه حريص على مواساة الأسر التي تفقد عزيزًا لديها. وأتذكّر أنّني كنت أقف في صفِّ عزاء الصّديق محمّد صادق دياب - رحمه الله -، والذي كان أحد المنتمين للشركة السعودية للأبحاث والتّسويق، ورئيسًا لتحرير إحدى مطبوعاتها، وهي "الجديدة"، ثمّ كاتبًا في العدد اليومي لصحيفة "الشّرق الأوسط" بعد احتجاب المجلّة المذكورة، فاذا بشقيقه "أحمد" يخبرني، وفي اليوم الأوّل للعزاء، أنّ سمو الأمير سلمان سوف يصل ليقدّم العزاء، طالبًا منّي أن أكون برفقته لاستقباله، وما هي إلا لحظات حتّى وصل سموّه، وحرص على أن يبقى مدّة من الزّمن مع جموع النّاس، ويقدّم العزاء لأهله وأسرته ومحبّيه، وهذا المشهد الإنساني الرّائع والصّادق، يتكرّر دومًا، مبرهنًا على تلاحم سموّه مع المبدعين والكُتّاب الذين يمثّلون الثّروة الحقيقية لهذا البلد المعطاء، والفخور بقوّة العلاقة وتماسكها بين الرّاعي والرّعية.
* ولقد حقّق مشروع دارة الملك عبدالعزيز، والذي يتبناه الأمير والملك والمثقّف سلمان.. حقّق الكثير من الإنجازات لجهة كتابة تاريخ المملكة العربية السعودية. وبحكم عضويتي في المجلس العلمي لموسوعة الحرمين الشريفين منذ حوالى عقد من الزّمن، والصّادرة عن "الدارة"، أعلم حجم اهتمام سموّه بطباعة كل ما يثري هذا المشروع الحيوي والهام، وخصوصًا لترجمة كتابات الرّحالة الغربيين، الذين زاروا الأراضي المقدسة مثل كتاب "صفحات من تاريخ مكّة المكرمة" لمؤلفه سنوك هرفرونيهSnouck Hurgronje (1857-1936م)، والكتاب الآخر الهام "المدن العربية المقدسة / The Holy Cities Of Arabia" للرحالة البريطاني إلدون رتر Eldon Rutter.
وقد قام "رتر" برحلته عام 1344هـ / 1925م، ويعتبر آخر رحّالة غربي دخل الدّيار المقدسة، وكانت المدينتان المقدستان مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة في حالة تحوّل سياسي، حيث أصبحتا جزءًا هامًا وأساسيًا من البلاد العربية السعودية.
وهناك مؤلّفات عربية وغربية قامت "الدارة" بطباعتها مساهمة في إثراء الجانب التّاريخي والحضاري للجزيرة العربية، ويعود الفضل في ذلك - بعد الله - لاهتمام سموّه بالفعل الثّقافي والفكري، وهو اهتمام يعكس العمق المعرفي؛ حيث يتجاور في شخصية سموّه السّياسي والثّقافي.
وتبلغ المعرفة مداها على يديه، راسمًا بذلك صورة صادقة عمّا تنطوي عليه ذاته وشخصيته من شمائل ومناقب متعدّدة، مستعيدة ومستحضرة صورة الخلفاء الأوائل في العصور الذّهبية للحضارة العربية والإسلامية، الذين عملوا على جعل حضارتنا جسرًا من الثّقافات الماضية والحاضرة، مشجّعين على الإبداع والترجمة في مختلف الفنون، ولهذا فإنّ الدّور الرّائد لدارة الملك عبدالعزيز يعود الفضل فيه - بعد الله - لهذا الإنسان؛ الذي يستشعر في داخله قيمة المنجز المعرفي والثّقافي، ودوره في الارتقاء بأمّتنا المجيدة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store