Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الكتابة في درجة الصفر

من كتاب المفكر والناقد الفرنسي (رولان بارت) أستعير عنوان أول مقال لي بعد انقطاع عن الكتابة في صحفنا الورقية.

A A
من كتاب المفكر والناقد الفرنسي (رولان بارت) أستعير عنوان أول مقال لي بعد انقطاع عن الكتابة في صحفنا الورقية. ليس لأنني في مرحلة الكتابة «الصفرية» ولا لأنني أتأمل بعين ناقدة كل ما كُتب حتى اليوم، لكن لأن فترة الانقطاع أتاحت لي وقتاً كافياً لتأويل وتحليل ما يكتب في صحفنا المحلية على اختلاف توجهاتها وتنوِّع كتابها بشكل أدّعي أنه محايد، وبالتالي قد أستطيع التحرك بالكتابة في أفق الحيادية باعتباره امتداداً لأفق الحيادية في القراءة أيضاً. إنها الكتابة في الدرجة الصفر. فكيف تكون الكتابة حيادية إذن، وهل هناك كتابة حيادية أصلاً؟
لنبدأ أولاً بالحفر في مفهوم الكتابة. الكتابة لعبة احترافية: حدٌ ومحطةٌ في آن واحد. إنها الأفق المتسع القادر على خلق التناسق المُطَمئن الذي يمنح الكاتب الشعور بركوب بحر متلاطم الأمواج لكنه تحت السيطرة في ذات الوقت. يمنح الكاتبُ المجتمعَ فناً في الوقت الذي يجعله قادراً على الإعلان عن نفسه وعارضاً لمعاييره على الملأ. وفي مقابل ذلك يستطيع المجتمع أن يفهم الكاتب قبل أن يقبله أو يرفضه. هناك كتاب يمارسون الكتابة الطقسية حيث نلاحظ عزلة اللغة داخل كل صيغ التعبير الممكنة. هناك كتاب يمارسون الكتابة الكلاسيكية بكل حفاوة وتجريد. وهناك من يمارسون الكتابة البرجوازية بديكور بهيج ينهض فوق عمل الفكر بصلف معهود للانتصارات السياسية. وهناك من يمارسون الكتابة الواقعية بجرأة أبعد ما تكون عن الحياد في اختيار المفردات. وهناك من يمارسون الكتابة الحرفية بمعيارية تتضمن القواعد التقنية لتحريك العواطف. وهناك أيضاً من يصلون لمرحلة الكتابة الصامتة حينما تهرب اللغة من بين أيديهم فيعيدون إنتاج ما يزعمون أنهم هاربون منه فيفقد ما يكتبونه بريق الكتابة بعد أن يتحرر من تناسقه الاجتماعي الأثيم.
لعله من المبكر الخوض فيما أكتبه لصحيفة ورقية رسمية بعد أن أغرتني الكتابة الإلكترونية بضجيجها وشغبها ووجوهها المتلونة المليئة بتقلبات الزمن. غير أن صحيفة المدينة في خطة تطويرها تمكنت من التحليق بي في فضاءات لا أعرف عن أثيرها إلا تلك الخطوط البيضاء أمام رتل من الممانعات. تقايضني لحظة الصفر وتستفزني على أمل ألا أكون مخلصة إلا للحرف المسكوب وللكلمة التي أؤمن بها، حيث لا توجد لغة مكتوبة لا تعلن عن نفسها، علني أحتل موقعاً أليفاً داخل طبيعة ما تزال متنافرة الأنحاء.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store