سيظل التاريخ يذكر لعضو الشورى د. نورة العدوان دورها الرائد في إلزام مذيعات التلفزيون السعودي بارتداء الزي الرسمي الموحد، وهو دور مبهر حقًّا ليس لأنه توصل إلى إلزامهن فعلاً بذلك الزي، بل لأنها نجحت في إقناع لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية بمجلس الشورى بإدراج توصيتها في مشروع نظام الإعلام المرئي والمسموع، والأكثر من ذلك إقناع هيئة الإذاعة والتلفزيون ذاتها حتى أن رئيسها عبدالرحمن الهزاع قد سارع فورًا إلى الإعلان بأن مذيعات القناة الإخبارية سيظهرن بالعباءة بدءًا من يوم الخميس السابق لإصدار توصية مجلس الشورى في يوم الثلاثاء اللاحق. أي قوة إقناع تتميّز بها هذه العضوة حتى تحرك القرار من أدراج الشورى إلى حيّز التنفيذ بهذه السرعة، وقبل خروج التوصية الشورية، بل وقبل الانتهاء من المصادقة على بنود "مشروع نظام الإعلام المرئي والمسموع"!!
لا بد أن نعترف أن التمرير بالإقناع هي ملكة نسائية فريدة، كسبها مجلس الشورى بوجود امرأة مثل د. نورة في صفوفه، فقد ارتدت المذيعات الزي الموحد قبل أن يعرف الناس الدافع لذلك، وهي قد طالبت بالاحتشام والرسمية، فلم تواجه الهيئة مشكلة في التأويل ولا تساءلت عن الفروق بين الزي المحتشم، والزي الرسمي، والزي الوطني، والزي الشرعي، والزي المهني، بل لجأت فورًا للعباءة والطرحة باللون الأسود، واعتبرتهما زيًّا رسميًّا محتشمًا يليق بالسعوديات، ثم ابتكرت تخصيص خط ملون وسط، وعلى أكمام العباءة يوضح هوية القناة.
وبعد أن اتّشحت المذيعات بالسواد، هل يقر لنا مجلس الشورى الموقر اعتبار الأسود لونًا للاحتشام؟ ألم يحن الوقت ليصدر لنا المجلس قائمة بالألوان ودلالاتها الرسمية التي تحفظ لنا خصوصيتنا؟ أعتقد أننا يجب أن نتفق من الآن حتى لا يقع بيننا خلط كبير عن معاني الألوان ورمزيتها، فقد خلصنا بعد جدل طويل أن الأسود لون الحشمة، فهل هو معيّن للحشمة النسائية فقط، أم للرجال نصيب منها؟ وقد انتهينا بعد صراع مستمر إلى أن الأحمر هو لون الحب المقيت الذي تتم ملاحقته ومحاربته مرة كل عام، فماذا عن الأصفر والأخضر وغيرهما من الألوان المشرقة والقاتمة؟ ما حكمها؟ وما موقعها من تراثنا ووطنيتنا وهويتنا وخصوصيتنا؟ وإن كان الأسود هو المتفق عليه شوريًّا كلون وطني "طرحةً وعباءةً"، فما حكم الأشمغة الحمراء على رؤوس الرجال؟
وحين يقر المجلس أن الأسود هو لون الحشمة للمذيعات، ثم يعجز عن "إقناع" إحدى عضواته التي تنفرد وحدها بالتلوّن بالموف والبمبي والرمادي في كل جلسة، وكل محفل رسمي خارج المملكة، فهو يقع في تناقض شديد يستدعي التساؤل عن معنى الحشمة ومواقعها والمنوط بها. ولا بد لنا في الختام أن نترك لأعضاء الشورى التفكر في مسألة الزي الوطني الرسمي، خاصة أنهم وغيرهم من المسؤولين حين يمثلون بلادهم في الخارج لا يتحرّجون على الإطلاق من لبس البدلة الإفرنجي بألوانها مع ربطات العنق الزاهية.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
