Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مجتمع يقتات على الشائعات

في عالمنا اليوم، وبفضل قنوات التواصل العديدة التي توفرها شبكة الإنترنت، وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي أو "نقمتها"، اضمحل الفارق بين الخبر والإشاعة، بين الجد والهزل، بين المعلومة الموثقة والهراء.

A A
في عالمنا اليوم، وبفضل قنوات التواصل العديدة التي توفرها شبكة الإنترنت، وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي أو "نقمتها"، اضمحل الفارق بين الخبر والإشاعة، بين الجد والهزل، بين المعلومة الموثقة والهراء. وأضحت "المعلومات" أو الأفكار التي يتناقلها الناس، دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها، تنتشر بسرعة جنونية - أو في مصطلح اليوم بسرعة فيروسية - لدرجة بتنا غير قادرين للوهلة الأولى على التمييز بين ما هو قابل للتصديق وما هو مجرد اختلاق بغرض الإثارة أو البلبلة أو مجرد النكتة والسخرية.
واحد من أخطر ما ينتشر دون تمحيص أو تفنيد، ودون رقيب أو حسيب هو الشائعات المرتبطة بالسِّلْم الاجتماعي ووحدته وترابطه، كتلك التي تؤصل للطائفية أو القبلية أو تؤسس للعداء بين المذاهب، أو تعمل على تقويض وحدة المجتمع والوطن. وسواء كان هذا الانتشار يتم بشكل تلقائي دون أن يدري ناقل الخبر شيئاً عن مصداقيته، ودون أن يعي مدى أثره التخريبي في نسيج المجتمع، أو كان الانتشار ممنهجاً ومقصوداً بهدف التحريض ضد الآخر أو الترويج لفكرة هجومية يقصف بها جبهة مناوئيه، تظل النتيجة واحدة وهي تستطيح وعي الأفراد وتشجيعهم على إعادة نشر الشائعات دون إمعان العقل والتبصر في المحتوى المنقول بالإضافة الى حقن عقول البسطاء بالكراهية والشحن الطائفي دون تفكير. ونحن نرى أن الكثير منا أصبح يعيد نشر ما يصله من شائعات تلقائياً دون إدراك لخطورة محتواها. وفي حالات كثيرة قد لا يتفق المحتوى ذاته وقناعات الفرد، لكنه مع ذلك ينقل الشائعة ويروج لها بشكل تلقائي أو عفوي.
ومما يزيد من خطورة هذه الظاهرة هو حرص مروجي الإشاعات على إقحام الدين فيها، باعتباره يكسب الإشاعة مستنداً شرعياً لا يقبل التكذيب أو حتى المساءلة، ومن ثم يضمن سرعة تصديقها وانتشارها. ولعل الكثير منا يلاحظ الآن ازدياد معدل هذه الشائعات وسرعة انتشارها في مجتمعنا كالنار في الهشيم.
إن التفسير النفسي لرواج الشائعات في مجتمعنا يجعلنا ندرك أننا قد نتحول إلى مجتمع لا يبالي بتحري المعلومة قبل نشرها، كما لا يهتم بمصادر تلك المعلومة ولا حتى باستخدام أبسط أدوات العقل قبل المساهمة في حلقة الشائعات، وهي أدوات يقاس بها درجة نضج الأفراد وبالتالي تماسك المجتمع. وإذا ما ظل الوعي الاجتماعي يتغذى على ثقافة الشائعات خاصة شائعات الكراهية وشائعات التبرير التي تُصاغ وفق أهواء المروجين لها فنحن حتماً أمام كارثة أخلاقية قبل أن تكون ظاهرة اجتماعية بمقدورها تفتيت المجتمع والعودة به إلى منزلقات الحروب والكراهية. وليس أمامنا من خيار سوى مواجهة هذا المنزلق بحزم وجدية من قبل كل فردٍ فينا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store