Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المفكّر البريطاني توينبي وقدرة المعطيات الحضارية الإسلامية على التأثير في الآخر

No Image

في تقرير مدعوم بالأرقام أعده John Bigam، المحرر بصحيفة الديلي تلجراف الأكثر شهرة في بريطانيا والأقدر على صناعة الخبر واعتمادًا على دراسة قام بإعدادها المركز الوطني للدراسات الاحصائية وتحت عنوان مثي

A A

في تقرير مدعوم بالأرقام أعده John Bigam، المحرر بصحيفة الديلي تلجراف الأكثر شهرة في بريطانيا والأقدر على صناعة الخبر واعتمادًا على دراسة قام بإعدادها المركز الوطني للدراسات الاحصائية وتحت عنوان مثير «جيل الامتناع عن المسكرات»، وتضمن هذا التقرير الهام بأن نزعة النأي بالنفس عن تناول الخمر أصبحت ظاهرة في المجتمع البريطاني وذلك يعود حسب وصف التقرير لنشوء جيل أو توجه اجتماعي ينحو إزاء الاعتدال بل إن بعضًا من هذا الجيل امتنع مطلقًا عن تناول ذلك النوع من المشروبات.
حدد التقرير مستويات تلك الظاهرة الجديدة والمثيرة في المجتمع البريطاني بداية بالجيل الذي يقل عمره عن 25 عامًا، وأن هذه الشريحة التي نأت بسلوكها عن المشروبات المسكرة بأنها قفزت خلال ثماني سنوات بنسبة تقدر بحوالى الأربعين في المائة، وأن هذا الجيل الذي كان عادة أكثر انخراطًا في مثل هذه العادة المضرة قد تجاوز الأجيال التي سبقته واصفًا هذا الجيل الذي نزع نحو ضبط النفس بأنّه الأكثر واقعية واعتدالاً. [انظر الديلي تلغراف البريطانية February، 18-24، 2015].
وأضاف محرر هذه المقالة الهامة بأن ما يزيد عن ربع الشباب الصاعد أو المتهيئ للمستقبل يمتنعون عن معاقرة الخمر كما أن حفلات الصخب المصاحبة لمثل هذه العادة الاجتماعية قد أخذت في التلاشي تدريجيًا، وبما أن لندن تعتبر من أكثر المدن البريطانية احتفاء بمثل هذه الظواهر الاجتماعية إضافة إلى أنها المدينة التي تتعدد فيها الجذور العرقية ومن بينهم أقلية مسلمة تقارب المليون نسمة، واعتمادًا على هذه المعطيات الحضارية والإثنية المتنوعة فإن الكاتب يشير صراحة بأن الجالية أو البيئة المسلمة تمثل معطى هامًا وإن كان بدرجة غير منظورة في انصراف الجيل البريطاني الناشئ عن تعاطي المسكرات – تدريجيًا -. إضافة إلى ذلك يشير هذا التقرير المدعم بالأرقام الدقيقة بأن هذا الجيل الجديد أو الصاعد قد استوت مداركه ونضجت مواهبه في حقبة توصف بالصارمة أو الصعبة وخصوصًا لجهة العامل الاقتصادي حيث تعاني بعض الدول الغربية ومن بينها بريطانيا من انخفاض معدل النمو مما أثر على مستقبل الأجيال الناشئة التي وجدت أمامها كثيرًا من العوائق لإكمال دراستها الجامعية والتي تتطلب رسومًا باهظة وأن ذلك أدى إلى اعتناق هذه الأجيال لأفكار توصف بأنها محافظة وخصوصًا لجهة عادات اجتماعية كانت تعد في الماضي القريب راسخة مثل التدخين والشراب والعلاقات العاطفية غير المشروعة فجاء جيل جديد ينظر إليها بشيء من الازدراء إن لم يكن إثارة العديد من الأسئلة حول مادية الحضارة الغربية وفقدانها للعامل الروحي الذي أدى فقدانه لكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية، ويستشهد الكاتب على هذا المنحى السلوكي بإحصائية تقدر بأن ما نسبته واحد إلى خمسين من الفئة العمرية التي تقل في عمرها عن 25 عامًأ هي التي تتعاطى المشروبات مقارنة بنسبة واحد إلى عشرة قبل عقد من الزمن.
لم ينسَ التقرير كذلك المرأة حيث أشار إلى أن النساء أكثر قدرة على ضبط أنفسهن عندما يتصل الأمر بتناول المشروبات الكحولية ويختم الكاتب تقريره بأن الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الأربعين والستين عامًا والذين أداروا ظهورهم للمسكرات قد قفز إلى 38% منذ عام 2005م.
بعد قراءتي لهذا التقرير الذي يفترض فينا الوقوف عند دلائله الهامة تذكرت بعض الأفكار التي طرحها المؤرخ والمفكر البريطاني أرنولد توينبي Arnold Toynbee في محاضرته الموسومة (الإسلام والغرب والمستقبل) والتي ألقاها قبل حوالى سبعين عامًا والتي ذكر فيها ما نصّه (هناك مصدران ظاهران من مصادر الخطر في الحضارة الغربية الأول نفسي والثاني مادي ومصدر الخطرين هذين هما التميز العنصري والخمر وفي مجال الصراع ضد هذين الشرين نجد للفكر الإسلامي دورًا يؤديه ويبرهن فيه إذا سمح له بتأدية هذا الدور عن قيم اجتماعية وأخلاقية سامية.
إن إشارة كاتب المقالة إلى دور سلوكيات الجاليات المسلمة في بريطانيا والتي تُحرّم تعاليم دينها شرب الخمر تحريمًا قاطعًا في التأثير بطرق مختلفة بعيدًا عن فرض الآراء وما يصاحبها من تعسف على سلوكيات الأجيال الصاعدة في الغرب، وهو معطى حضاري يمكن أن يؤسس لعلاقات انسانية مشتركة ويردم الفجوة القائمة بين الحضارتين الإسلامية والغربية كما أنه في الوقت نفسه يرسم صورة صادقة عن الجالية المسلمة في الغرب بعيدًا عما تبثه بعض وسائل الاعلام في التحذير من اتباع الدين الإسلامي وذلك تأسيسًا على تلك السلوكيات المتطرفة التي تقوم بها بعض الشخصيات الإسلامية التي اتخذت من الغرب موطنًا لها، ولكنها فشلت في جذبه إلى مقاصد الإسلام الحقيقية من رحمة وشفقة وقبول بالآخر واحترام معتقداته وآرائه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store