الاتحاديون!

في بداية الشهر الماضي ذهبت بصحبة صديقنا، أصيب فجأة بفيروس في رجله أعاقه عن الحركة، قصدنا العلاج في أشهـر مستشفى طبي خاص في بلادي. بعد الفحوصات والتحليل تقرر دخوله المستشفى، نظرت من نافذة الحجرة التي سيتعالج فيها كانت مقبولة نظيفة تقع في الطابق الأعلى من المبنى الحجرة مطلة على باحة واسعة تطل على عشوائيات ومبان متهالكة تحيط بها، حديقة المبنى الطبي فيها زرع وضرع ومياه وحياة ومصابيح تسيل الضوء على الطرقات. لكن البيوت العشوائية التي تحيط بالمنشأة الطبية أقفرت من أهلها وجفت البهجة منها، تسمع أقدام الناس يحنون رؤوسهم، يقفون أمام تلك البيوت ﻻ يستر أجسادهم سوى قميص، ونباح كلاب يرتفع للفضاء كالصفير، بيوت المنطقة توارت وهوت الجدران وانهارت ثمة، أقفـر المكان ومات الزهر فيها ولم تعد هناك سوى أسماء لشوارع ودروب في تلك المنطقة، أفقت على سؤال من المريض ألم تكن هناك شركات لتطويرعشوائيات جدة، نهضت مستعجلة هـربًا من السؤال وتمالكت نفسي قبل أن أجيب لحظة عقلانية منعتني من الإجابة وأخرى حسية صارخة كانتا تتناوبان على ساحة تفكيري تصرفت ببلاهة وارتباك قلت له يبدو أنك ستبدأ التحاليل مع الممرضة التي تنتظرك. هـز رأسه موافق، ﻻ أعلم لماذا شعرت بالارتياح وأنا أهرب من سؤاله وإن كان بودي أن أقول له (ليس لديّ ما أقوله لك يا سيدي فدع أحزاني في صدري)، خرجت بعدها أستنشق هواء صباح مدينتي جدة، كان هناك شاب ينتظر في مقعد سيارته يدندن بكلمات أغنية قديمة تتعلق بالحلم الضائع، توغلت في الأزقة العشوائية في وسط المدينة، فألقيت نظرة على خربشات جدران المنطقة العشوائية التي تجاور الصرح الطبي، كانت هناك عبارات مكتوبة على الجدار المتهالكة في العشوائيات "تنزيلات على مبيعات مختلفة" إعلانات عقار بالتقسيط، عبارات من فريق الاتحاد الرياضي تشير إلى غضب مكبوت "غيم يا غيم وأنزل يا مطر وهذا الاتحادي ما يهمه خطر". أحدق مرتعشة إلى سماء ربيعية جدواية باردة بلون النحاس الأحمر، مشوهة الأطراف بسواد العشوائيات، وأفكر في هذا التناقض المدهش بين شمال مدينتي جدة وجنوبها، شيء كنت أحاول تفسيره دون جدوى!!. أمنحني جوابًا يا إلهي.