وصيتي للعرب

في أتون الحروب الأهلية التي تستعر في عددٍ من البلاد العربية، أستعيد ما طرحه السيد مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق للخروج من مأزق الصراعات التي أنهكت تلك البلدان وضربت أمنها واستقرارها ودمرت بناها التحتية تدميراً شبه كاملٍ.
عرض مهاتير محمد خطة أو بنوداً لخطة واضحة واستراتيجية متكاملة كانت قد أسهمت في إنقاذ ماليزيا من شبح الحرب الأهلية، وهي بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات، فتمكنت من تجاوز الصراعات والانصهار في دولة مدنية يتساوى فيها الجميع. أهم ما طرحه السيد مهاتير في رأيي يتمثل فيما أسماه "الدولة المدنية" من أجل الخروج من نفق الفكر الأيدولوجي الواحد والذي يعني إقصاء مكون وطني آخر في المشاركة السياسية، سواء كان ذلك الإقصاء قائماً على الاختلاف الديني/المذهبي أو العرقي الثقافي. والحل كما يطرحه مهاتير محمد لا يكون إلا بالاتفاق على تقديم التنازلات المتبادلة من قبل جميع الأطراف بعد الدخول في حوار وطني مفتوح مع كل المكونات الوطنية دون استثناء.
من هذا المنطلق يتحتم على الفرقاء في الدول العربية التي تعاني الاحتراب الأهلي الاعتراف بحق الجميع في المشاركة السياسية دون تهميش لطرف بناء على العرق أو الدين أو المذهب، وإبعاد الأيدولوجيا عن السياسة. وبمثل هذه الاستراتيجية يمكن علاج جذور الصراع بين مكونات المجتمع المختلفة التي تتقاتل للوصول إلى الحكم، لأنها تنزع إلى ممارسة الحكم باعتباره طريقاً لفرض الأيديولوجيا لا باعتباره طريقاً نحو رفاهية المجتمع واستقراره.
ينطبق هذا الإشكال على عددٍ من الدول العربية التي تعيش منذ بداية الربيع العربي حروباً مدمرة وأحوالاً إنسانية معتمة من انعدام الاستقرار والأمن، كالعراق وسوريا وليبيا والصومال. ويلخص هذا الوضع فيلم وثائقي عرضته قناة البي بي سي بعنوان "الحوثيون من الجبل إلى السلطة". يشرح الفيلم بالتفصيل الصراع السياسي في اليمن نتيجة محاولة فرض الفكر الواحد، والذي لم تكن نتيجته إلا احتراباً داخلياً وتقهقراً اقتصادياً، بالإضافة إلى إسهامه في إحياء الفكر الطائفي والفرقة بين أفراد المجتمع.
إن معالجة الملفات الحقيقية في الدول العربية، ومنها ملفات الفقر والبطالة والجوع والجهل، أهم من الانشغال بالأيدولوجيا ومحاولة الهيمنة على المجتمع ومصارعة طواحين الهواء.