Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ازدهار

أحدّثكم اليوم عن أمّي، عن الهواء الذي كنتُ أمضي إليه كنسيم في حرارة صيف مكة، التي كانت تقرأ فصل وجودي، تعبي تشعر بوحدتي..

A A
أحدّثكم اليوم عن أمّي، عن الهواء الذي كنتُ أمضي إليه كنسيم في حرارة صيف مكة، التي كانت تقرأ فصل وجودي، تعبي تشعر بوحدتي.. التي كانت تُعد الأكلات لقدومي، تشرف عليها، لا زالت رائحتها، زيارتي في المكان والزمان. كانت أنيسة الوحيد، ودواء الجريح، حضنها وادٍ لا ينمو فيه غير الفرح، تنثر الفرح، وتطرد الحزن، وتبعث الحياة في جسدي المكسور. أرضعتني الحنان عندما كان ينزف دمعي في حياتي، كان بكائي لا يتوقف إلاَّ على أهدابها، منحتني الشموس في عمق ظلام روحي. مهلاً.. مهلاً دعوني أختصر لكم وصف تلك الازدهار والأزهار الذي تصحّرت روحي بغيابها. آواه.. آواه غياب الزهر من حياتي حوّل حياتي كصيف إفريقي حارق، فقدان الأزهار فتتت عظامي الستينية، أصبحت الدنيا غيابها مساحة من الخلاء، لم تعد الأرض أرضًا، ولا الشمس شمسًا في غيابها.
لازالت تغفو ازدهاري على جفني، تسامرني في زورق من شجن كل مساء، لازال صوتها يهجر من عيني السكون والإغفاء، مع الفجر..
أمّاه حضنتك العيون وقد أبت
من حرصها إقفالها أجفاني
أحن إليك فلا حنان يلمني
كحنان صدرك لمها أحزان
صوت حوارنا يكمن في أقصى الحاجب الحاجز، مرة كنت يومًا ما أمسك بيدها الكريمة، أضعها بين كفي، ألثمها بشفتي، فينتشي الكون معي، بالإبهام والسبابة أمسك بجزء من جلد ظهر كفها فأرفعه، ثم أداعبها: سنعمل لك عملية شد جلد.. توجّه نظراتها الحانية لي، وتبتسم شفتاها وتردد: "يا وليدي.. يا الله حسن الخاتمة بس.. الله يرحمنا برحمته".
أتخيّل تلك خطوط السنين كفوانيس الصيادين بأضوائها البعيدة، فالحياة في بعادها تصبح المسمّيات لها أكثر من معنى، ويصبح القلب كجزيرة رفعها البحر فجفت، مع كل إشرافه شمس نهار سلامًا لمن تتربع في قلبه ازدهار.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store