للقمر الجميل جانب مظلم

دلفت الى عربة الأجرة التي استوقفتها بجادة 'ڤاچرام' بسرعةٍ هرباً من البرد اللذيذ من شتاء باريس ، نظرت هائماً الى قوس النصر و هو يعلو شامخاً (حيث إن الجادة منحدرة من مستديرة قوس النصر أو نجمة 'شارل ديجول' الى الأسفل ) وقلت لسائق المركبة : " آخ كم تبدو هذه المدينة جميلة " وأردفت : " كم أحسدك يا صديقي بسكناك هنا " . فنظر اليّ السائقُ ذو الملامح الشرق أوروبية نظرة المشفق على البائس وقال بلهجةٍ ثقيلة : " أحقاً يا عزيزي !؟ ليس لديك أي فكرةٍ عن مدى قسوة العيش هنا ، وإحضار الرغيف هنا آخر كل شهر بعد اقتطاع الضرائب والفوائد أمر ليس بيسير ، ويجعل المرء يفكر بحيرة مستمرة في مدى صحة اختياره" .
وحينما دخلت أحد محال الهدايا في شارع 'أوكسفورد' لأبتاع غطاء للهاتف لأحد الأصدقاء ، عرض عليَّ البائع عدة ألوان زاهية فأخبرته أنني أفضل شيئاً عليه علم بريطانيا ، فقال بابتسامةٍ تمتزج بالسخرية :
"What do you want with the British bloody flag !" "ماذا تريد بالعلم البريطاني بحق السماء!"
فقلت :"ألست سعيداً هنا؟" قال:" نعم لدي وظيفة لكن للوصول اليها يلزمني ركوب قطارين وحافلتين يومياً ذهاباً وإياباً هذا إن لم يكن هناك اضراب هنا أو هناك !" وأردف "كل عدة أسابيع يحدث اطلاق نار في ضاحيتنا ، و..." فسارعت بالدفع ولذت بالفرار!.
والبارحة أخبرني الصديق اياد مشيخ العائد من دبي بأن المعيشة في دبي ساخنة جداً كطقسها التموزي الحزيراني ! وأن فاتورة الكهرباء تبلغ الشيء الفلاني فكيف اذا أقبل شهر آب !؟ وزاد: بأن الرحلة من دبي الى الشارقة التي تبعد عشرة كيلومترات، تحتاج في وقت الذروة، لساعة وثلث الساعة لقطعها ! ،ناهيك عن " سالك" وما الى ذلك .
فبدا لي من ما شاهدت هنا وهناك أن لكل مدينة جميلة وجهها القبيح وليلها الدامس ، وقد أحسنت سيدة تدعى نورة المقرن حين قالت : " حين نقارن حياتنا بحياة الآخرين نظلم ونؤلم أنفسنا ، لأننا لا نرى سوى الجانب المشرق في حياتهم وما ينقصنا فقط".
إلى اللقاء