Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

اذهب مباشرة إليها، وعانقها!

(١)
قلتُ لهم: ما هي أحلامكم؟ ما هي الغاية التي يتمنّى كلٌّ منكم الوصول إليها؟
قال الأول: الحضور المبهر والشهرة.
قال الثاني: الثراء.
قال الثالث: بيت يضمّني مع أولادي.

A A
(١)
قلتُ لهم: ما هي أحلامكم؟ ما هي الغاية التي يتمنّى كلٌّ منكم الوصول إليها؟
قال الأول: الحضور المبهر والشهرة.
قال الثاني: الثراء.
قال الثالث: بيت يضمّني مع أولادي.
قال رابع: النفوذ والسلطة.
قلتُ: لا أسألكم عن الوسائل.. أسألكم عن الغاية؟
ارتبكت الإجابات.. وعادت لتشرح نفسها بشكل مختلف.
قلت: الغاية واحدة.. السعادة!
كل هذه الأحلام/ الوسائل المُربكة هي طريقكم -كما تظنّون- إلى الغاية النهائية: السعادة.
الذي (يشقى) بجمع المال، يضيّع السعادة بحثًا عن السعادة!
الذي يحلم بالبيت، هو يحلم بالاستقرار، والذي سيجلب له الطمأنينة، والتي بدورها ستجلب السعادة لقلبه وروحه.
الذي يحلم بالشهرة، ويمضي عمره وهو يشقى بمطاردة أضوائها الباهرة، يظنُّ أن الشهرة ستفتح له كل الأبواب؛ ليدخل إلى قصر السعادة.
اسأل أيَّ حالم عن حلمه (شهرة، ثراء، سلطة، منصب، جمال، قوة، حضور) ستكتشف أنه يُحدّثك عن الوسائل التي -يظنُّ- أنّها ستوصله إلى الغاية الكبرى/ مدينة السعادة.
الأمر نسبي:
في اللحظة التي أجلس فيها في الصف الأول في ذلك الحفل الفخم، وتحت الأضواء الباهرة، تجدني أتململ على الكرسي، وأحلم لو أنني لحظتها في مدينتي الشمالية النائية لأحظى بلحظة فاخرة برفقة «عشوي الرفاع»، وأضحك معه ضحكة حقيقية صافية نابعة من نبع القلب. في نفس اللحظة هناك -في مدينتي النائية الصغيرة- مَن يحلم بالجلوس على نفس الكرسي الممل!
أنا وهو نظن أن السعادة في الجهة المقابلة.
الأمر نسبي:
هذا في قصره الفخم يشعر بالشقاء؛ لأن زوجته أنجبت طفلاً مشوّهًا..
وهذه الطفلة في خيمتها المهترئة -فوق أرض متجمدة، وتحت سماء تُمطر ثلجًا- تكاد تطير من الفرح؛ لأنها حصلت من وكالة الإغاثة على: بطانيّة!
تختلف التفاصيل، والوسائل، والطرق التي نسلكها، ولكننا جميعًا نريد أن نصل إليها: السعادة.. حتى هذا الإرهابي الذي قام بتفجير نفسه يظنُّ أنه ذاهب إليها عبر أقصر الطرق! لم يستطع أن يواجه الحياة فهرب إلى الموت.. يظنُّ أنه يغادر لحظة الشقاء لينتقل إلى السعادة الأبدية.
(٢)
هل تعرف اسم الرئيس الهندي؟ هل تعرف اسم الرئيس التنفيذي لشركة أبل؟ هل تعرف اسم كبير العلماء في ناسا؟ الغالبية العظمى (في حال أنهم لم يستعينوا بقوقل) سيقولون: لا.
هل تعرف «ليونيل ميسي»؟ الغالبية العظمى ستصرخ: نعم!
ميسي -النموذج- للشاب الأكثر شهرة في العالم، والأعلى دخلاً، وأصدقائي، الذين طرحت عليهم السؤال في السطور الأولى، يكادون يجزمون أنه يمتلك كل ما يجعله سعيدًا: الشباب، الصحة، الشهرة، الثراء، حب الجماهير.
كتبت لكم سابقًا عمّا حدّثني به صديقي من كواليس الأستديو:
قبل أن يبدأ الحوار مع الابن بلحظات انفجر الأب في وجهه غاضبًا!
وبّخه لإهماله، وعدم اهتمامه والتزامه ببعض الأمور... قال له: كيف تنسى ساعتك الـAP في الفندق؟ لا يمكنك أن تظهر في أي حوار دون أن تكون في معصمك.. هذا أحد شروط العقد!
نزع الأب ساعته، وهي من نفس الماركة، وألبسها ابنه الذي دخل إلى الأستديو وكل ما فيه يوحي لك أنه تحوّل من إنسان إلى لوحة إعلانية متحركة.
الأب يشبه بقية الآباء في العالم..
الابن.. مختلف واستثنائي وساحر.. اسمه: ليونيل ميسي!
- ساعته هي التي تتحكم بوقته، وتحدد مواعيده المدفوعة بالثواني.
- لا يمكنه أن يشرب ما يشتهيه في الأماكن العامة.. فالعقد يلزمه بذلك الشراب الغازي تحديدًا دون غيره.
- الجميع يلبسون بدلاتهم الرسمية السوداء الأنيقة في حفل الفيفا.. وحده ميسي يلبس تلك البدلة الغريبة ذات الألوان الفاقعة، وذلك حسب شروط العقد المُوقّع بينه وبين الشركة المُصنّعة لها.
يأكل ويشرب حسب العقد، يلبس حسب العقد، يتحدّث حسب التوقيت الذي يحدده العقد، يتنفس حسب شروط العقد!
الجميع يستمتع بما يقدمه ميسي من عروض.. إلاَّ -ربما- ميسي!
والآن، هل تجزم أنه سعيد؟!
(٣)
جميعنا نبحث عن السعادة، ونظنها في البعيد البعيد من الأشياء، ولو تلفّتنا حولنا لوجدناها معنا وبيننا في أشياء بسيطة جدًّا.
مشكلتنا أننا لا ننتبه، ولا نحتفي بالأشياء التي بين أيدينا..
لأننا مشغولون بالأشياء التي بين أيدي الآخرين!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store