Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الذين إذا فازوا قالوا سلامًا !

تكاد الظاهرة تصبح تقليدًا من شدّة تكرارها. كلّما ظهرت نتائج الجوائز العربية، بدأت السجالات الجانبية حول مَن يستحق ومَن لا يستحق، فتتفحص الأسماء وتصدر قراراتها وكأنّها هي اللجنة الحقيقية.

A A
تكاد الظاهرة تصبح تقليدًا من شدّة تكرارها. كلّما ظهرت نتائج الجوائز العربية، بدأت السجالات الجانبية حول مَن يستحق ومَن لا يستحق، فتتفحص الأسماء وتصدر قراراتها وكأنّها هي اللجنة الحقيقية. وترتفع وتيرة النقاشات حتى تتّخذ صبغة اليقين والإقصائية والعدمية. طبعًا لا أحد يمنع شخصًا آخر من أن يكون له رأيه في النصوص الفائزة، لكن يفترض سلفًا أن يقوم كل نقاش على سمو العقل، وسخاء الروح. هناك سجال مقبول وطبيعي؛ لأنّه ينطلق من رؤية خاصة، قد لا تكون هي نفسها رؤية لجنة التحكيم ولا ذائقتها أيضًا. رأي كغيره من الآراء من حقّه أن يكون موجودًا في المشهد الثقافي. لكن للأسف، ما نقصده في هذا السياق، هو خروج الكثير من الآراء عن سياقها العلمي فتشكك في نزاهة اللجنة، أو في قيمة النص الفائز، بلا سند حقيقي، أدبي أو علمي. بل إن الهستيريا التي تصيب بعضهم في الوسائط الاجتماعية أو الصحافة، كثيرًا ما يتخفى وراءها إخفاق ذريع في الحياة وفي الكتابة، وحقد أعمى لا شيء يبرره إلاّ ضغينة الحسد، لماذا الآخر وليس أنا، وقد تصل التهم إلى الأقاصي، كأن تصبح علاقات الكاتب بأعضاء اللجنة أو اللجان، هي العامل الحاسم في الجائزة وليس عمله. أتساءل أحيانًا ماذا كان سيكون رأيهم لو فازوا هم مثلاً بجائزة العويس، أو الشيخ زايد، أو البوكر، أو توجوا أخيرًا بكتارا؟ هل سيكون التحليل نفسه؟ هناك قصر مفجع في النظر ولا يقتضي الأمر ثقافة كبيرة لإدراك جوهره. وينسى هؤلاء أن الجوائز على أهميتها الكبيرة في حياة أي تجربة أدبية، لا تصنع كاتبًا، بل لا تصنع نصف كاتب، لسبب بسيط هو أنها ليست غاية، ولا حتى وسيلة، مجرد لحظة جميلة عابرة في الزمان والمكان. قوس يفتحه المجيز ويغلقه الكاتب. الكتابة والتفاني في العمل، والإصغاء لكل التوترات المحيطة، وحدها الهدف النهائي لأي فعل إبداعي. التهجمات لا تفيد في شيء، اللجنة أعطت رأيها واختارت ما اختارته، وانتهى الأمر؛ لأنها وحدها المخولة قانونًا لذلك. طبعًا قد تصيب هذه الأخيرة، وقد تخطئ نصًّا أو كاتبًا كبيرًا، أو موهبة متميّزة، مثلها مثل الجوائز العالمية الكبيرة كنوبل التي لم تلتفت لعلامات أدبية استثنائية كنيكوس كزانتزاكي، مارسيل بروست، محمود درويش، وغيرهم. المشكلة هي أن الظاهرة العدمية استفحلت في العالم العربي حتى أصبحت عادة ينتظرها الفائزون، واللجان، والمشرفون على الجوائز. نحتاج عربيًّا إلى ثقافة الجائزة التي تفترض منا روحًا رياضية عالية، لأن أي نص فائز هو رهين عوامل عدة أهمها طبعًا القيمة الاستثنائية للنص الفنية والأدبية، ولكن أيضًا ذائقة أعضاء اللجنة، الذين قد يحبون نوعًا دون غيره ولهم تجاهه حساسية خاصة. هناك مَن يشعر بذاته القارئة داخل الرواية التاريخية، وهناك أيضًا مَن لا يحب اللغة الشعرية، وهناك مَن يجد الحقيقة الفنية والإبداعية في اللغة العارية من كل الزوائد الشعرية أو البلاغية وهكذا. لكن النتيجة النهائية تفترض إجماعًا أو أغلبية، وتنازلات من كل الأطراف، والانتصار في النهاية للموضوعية والتجرد، وللنص الذي يبدو الأفضل بالنسبة لها. لكنها في النهاية عقلية الذين إذا فازوا قالوا سلامًا، وإذا أخفقوا قالوا... ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store