Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المؤامرة: تنظير وتخطيط وتنفيذ

مَن ينكر، أو حتّى يشك في نظرية التآمر على العالم العربي، يجب أن يبحث في نفسه عن إجابات مقنعة عن معنى مقولات ردّدها مسؤولون أمريكان على الملأ، حين بشّرونا بمشروع «الشرق الأوسط الجديد».

A A
مَن ينكر، أو حتّى يشك في نظرية التآمر على العالم العربي، يجب أن يبحث في نفسه عن إجابات مقنعة عن معنى مقولات ردّدها مسؤولون أمريكان على الملأ، حين بشّرونا بمشروع «الشرق الأوسط الجديد». ما معنى «الفوضى الخلاّقة» التي أطلقوها من حيّز المقولات إلى التطبيق التدميري، تحت مسمّى «ثورات الربيع العربي»؟ مَن يستبعد، أو يستسخف فكرة الانقضاض على العرب بتخطيط مسبق، يهدف إلى تقسيم أراضيهم إلى دويلات عشائرية وطائفية ومذهبية ممزّقة، فليجد الرد المفحم في تقسيم السودان، وفي مشروع انفصال أكراد العراق، وفي الصراع الدائر بين اليمنيين.
مَن لا يقتنع بأن هناك مخططًا يُحاك لنا في الخفاء، فليتأمّل كل هذه الخرائط التي تقسم أراضينا طولاً وعرضًا. هل يرى أن مخطط برنارد لويس لتفتيت العالم العربي مجرد لهو فارغ، أم أنه يوضح بصفاقة حدود «إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات»؟ إن أيّ متابع للأحداث الجارية في عالمنا العربي يقدر على ربطها بسهولة لتسارع وقوعها وسيرها حرفيًّا حسب التخطيط المؤامراتي الذي يتم إنكاره، وتجاهله، والتهكم به. وها هو تنظيم داعش الوحشيّ المرعب يُخرج خريطة أيضًا تضع حدود «دولة الخلافة» التي تقوم على نفس المعايير التي تبنّاها برنارد لويس، فهي تريد تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات بشد الوتر العرقي الإثني.
«داعش» ليست مصادفة بائسة، بل هي قوة مزروعة كالشوكة في قلب العالم العربي، وأجندتها مكشوفة للعيان، فليس من هدف للمليشيات المسلحة «متعددة الجنسيات، والمدعومة من الخارج» سوى التحريض على فكرة الوطن، وضرب العروبة في مقتل، وبعد أن جعلت العراق أرضًا خصبة للتناحرات القومية، بدأت داعش بالزحف إلى دول أخرى مجاورة، وبتبني أعمال إرهابية دنيئة تقتل المسلمين والعرب، وتنتهك تاريخهم ومقدساتهم. ولو أن «داعش» دولة مكتملة الأركان، ولو أنها تبقى على وضعها في حدود معيّنة لبدا الأمر منطقيًّا، لكنّها تتمادى أمام تحالف دولي قوي يلاحقها بطائراته وقنابله ورصاصاته الذكية، محاولاً القضاء عليها، فتتوسّع وتتمكّن وتتقدم ويهرب أمام زحفها الجيوش الرسمية المدربة والمدججة بالسلاح.
تم التخطيط للمؤامرة منذ سنين طويلة، وربما لم يعد هناك مؤامرة ولا نظرية لينكرها أو يقتنع بها أحد. في ظل كل هذا اللعب على المكشوف، الآن أمامنا خطر محدق بنا ينظر إلينا وننظر إليه. نحن نعرف ماذا يُراد بنا، ونعرف جيدًا على ماذا يعتمد العدو الخارجي في تنفيذ مراده: إضعاف العالم العربي باستخدام أبنائه في حروب أهلية قائمة على إثارة الفتن، ومن ثم تقسيمه.
المشهد صعب، والأمم قد تداعت علينا من كل أفق، كما تتداعى الأكلة على قصعتها، فهل سنبقى كغثاء السيل، واهنين متفرقين، أم سنشحذ هممنا، ويشد كل منا من أزر أخيه؟
لكي نحافظ على أوطاننا، وأمنها، ووحدتها، لا بدّ من أن نغلق الفجوات بيننا، وننشر الوعي بين شبابنا؛ ليصحو من غفلته، ويدرك المهالك التي يرمي إليها أمته ونفسه بارتمائه في أحضان كل أفّاق مستغل لحماسه واندفاعه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store