Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

محاربة التشدد في عقر داره

لم يكن لأسبوع مضى على حادثة التفجير الإرهابي في القديح إلا أن يدنينا من أصوات القلوب المجروحة وهدير الأرواح المكلومة ودموع الأفئدة المعلقة بأجساد المغدورين الذين اغتالهم حزام إرهابي ناسف في قلب صلاة ا

A A
لم يكن لأسبوع مضى على حادثة التفجير الإرهابي في القديح إلا أن يدنينا من أصوات القلوب المجروحة وهدير الأرواح المكلومة ودموع الأفئدة المعلقة بأجساد المغدورين الذين اغتالهم حزام إرهابي ناسف في قلب صلاة الجمعة في دار الله. نستفيق اليوم بعد سيل الإدانات والهبّة العاطفية لنتطلع إلى أن نحوّل ردود الأفعال الموسمية إلى أفعال وقوانين تحتكم إلى صوت الإنسانية العليا، صوت العقل الذي يقف بحزم ضد هذه المأساة البشعة التي وحدّت المشاعر الوطنية بين أبناء البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها. في ظل تداعيات هذا الحدث علينا أن نتوحد حكومة وجماعات ومؤسسات لإعلاء صوت العقل ضد التشدد باعتباره مكوناً ينتج الكراهية والإرهاب.
التشدد آفة عمياء تضل الطريق بصاحبها وتأخذه في متاهات متعرجة من القتل والتفجير والتدمير والتكفير، غير آبهة بفداحة الفعل ولا بعواقب الجريمة. وعلى وجه التحديد، يرتفع موج التشدد العقائدي في أي دين وملة ليغرق معتنقيه في بحر الكراهية والتحريض متوسلاً خطاب العقيدة وخطاب التاريخ المتكىء على سرديات التشدد والتطرف. هذا الخطاب يشير إلى الخلل الاجتماعي في الحكم على المختلف في المظهر والملبس والسلوك، مانحاً المتشدد لنفسه الحق في إجبار الآخرين على التقيد بما يفرضه معتقده. والأمثلة كثيرة مما نشاهده ونعيشه من سرديات خطاب التشدد في مجتمعنا عبر القصص المختلقة والخرافات القائمة على كراهية المختلف ديناً أو مذهباً أو فكراً.
فالتشدد في الخطابات المتكئة على أقلام المتاجرة بالدين في الإعلام وفي التربية والتعليم الذي يمارس، ولو بشكل مبطّن، فرض خطاباً فقهياً أحادياً يأخذ من الأحكام أكثرها تشدداً ليجعل منه نموذجاً للسلوك ويلغي طيفاً واسعاً من الآراء المعتدلة، كل ذلك أدى إلى تسطيح فكر المجتمع، والشباب منه على وجه الخصوص، وكرَّس ممارسات قائمة على فقه التشدد والغلو أصّلت لثقافة تجعل من عقول الصغار أدوات مهيأة لاستقبال الأفكار المتطرفة. وما الموقف من المذاهب والفن والفلسفة في مناهجنا إلا مثالٌ لبذور خطاب التشدد في وعي صغارنا منذ لحظات التشكُّل الأولى بحيث ينتهي ذلك الفكر في هيئة أفراد تندس بين المصلين لتفجَّر أجسادها تقرباً لله. ولعل انتشار الخطابات الطائفية المتداولة على شكل نكات سمجة وحكايات ساخرة يتداولها الكثير من العامة والخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي بات سمتاً ثقافياً بارزاً يدعو للريبة في هوية من ابتدعها ونشرها أو ساعد على سرعة نشرها دون مساءلة أو تفكير.
وحتى لا نكون أرضاً هشة سهلة الانجراف أمام طوفان خطابات التشدد وتداعيات الحروب والفوضى من جرائم القاعدة إلى داعش والإرهاب، علينا محاربة التشدد في عقر داره بتعديل مسارات الخطاب المتشدد إلى الوطنية القائمة على المجتمع المدني والتسامح والتعددية، وتفعيل القوانين التي تجرّم التحريض وكل من يسانده فعلاً وقولاً وسلوكاً وتقدم مرتكبيه للعدالة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store