Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل تتبنى أمريكا فكرة التقسيم؟

تقوم خطة «الشرق الأوسط الجديد» على فكرة شيطانية تستهدف تقسيم العالم العربي حسب خريطة جديدة تتفوق على تلك التي ابتلانا بها سايكس بيكو في منتصف القرن الماضي.

A A
تقوم خطة «الشرق الأوسط الجديد» على فكرة شيطانية تستهدف تقسيم العالم العربي حسب خريطة جديدة تتفوق على تلك التي ابتلانا بها سايكس بيكو في منتصف القرن الماضي. يبدأ تزيين فكرة التقسيم عند أفراد الشعب العربي بالتنقيب عن أكبر الفروقات وأصغرها بينهم، الدين والمذهب والطائفة، القبيلة والأصل والمنشأ، اللون والعرق وحتى اللغة. ثم يجري تفعيل إذكاء روح الفتنة باللعب على الاختلاف ونبذ الآخر وتصويره كعدو يجب سحقه.
وبعدها تدخل مرحلة تشويه الانتماءات الوطنية بالتلويح بأوراق الحقوق والمظالم والأفضلية والدونية بين أبناء الشعب الواحد، ثم التأليب على الحكام بادعاء أن أنظمتهم الديكتاتورية فاسدة وقامعة للحريات، كما أنها فاشلة في السيطرة على الصراعات الدموية التي تدور على أراضيها. وهنا تصل هيئة الشرطة العالمية الأمريكية لتتدخل بالحل الأصلح والأوحد وهو: فض النزاعات وتحقيق الاستقرار بتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات تستقل بها الأطراف المتنازعة.
ما دامت أمريكا تستحسن لنا خطة التقسيم هذه، فهل يمكن أن تطبقها على أراضيها؟ أمريكا، مثل غيرها من بلدان العالم الحديث تتكون من أجناس وأديان وألوان متعددة، وهي تريد التقسيم لنا بينما تفاخر العالم بأنها «وعاء الانصهار» الأعظم الذي ذابت فيه الهويات والثقافات وتعايشت بسلام، والعجيب أن هذا كان حالنا نحن منذ بداية الفتوحات الإسلامية، أي أن النموذج ليس بدعًا أمريكيًا ولا هو بغريب علينا.
هل هناك أقليات تعاني في أمريكا؟ طبعًا، هناك شعوب تعيش فيها تحت خط الفقر وتعاني من العنصرية وعدم تساوي الفرص، وكل الاحصائيات تبين أن أغلبية الفقراء والجهلة والمجرمين والمساجين والمرضى هم من الأفارقة الأمريكان، وهم غاضبون من تعامل الحكومة والشرطة التي قد تقتلهم وتسجنهم دون محاكمات. فلماذا لا تفرغ أمريكا لهؤلاء السود المضطهدين ولاية واحدة وتسمح لهم بالاستقلال الكامل؟ والأحق منهم بذلك كل الهنود الحمر الذين سلبت أراضيهم عيانًا بيانًا ثم أجبروا على العيش في محميات منعزلة يصعب العيش فيها، فلم لا يكون لهم ولاية واحدة مستقلة وخاصة بهم؟
هل هناك صراعات بين أفراد الشعب الأمريكي تستوجب التقسيم؟ طبعًا، الصراعات كامنة في نفوس السكان ويمكن تحريكها وإشعالها في أي لحظة كما يحصل الآن مع المسلمين الأمريكان الذين يعانون من تضخم الاسلاموفوبيا ومن المظاهرات المسلحة أمام مساجدهم يوم الجمعة ومن الاستفزازات والاتهامات الجاهزة. ألا يمكن لأمريكا أن توقف هذا النزاع بمنح مسلميها ولاية واحدة مستقلة؟
هل هناك من يطالب بالاستقلال عن الحكومة الفيدرالية الأمريكية؟ أكيد، في استفتاءات رويترز يظهر أن ربع سكان الولايات المتحدة يحبذ الاستقلال، كما أن عددا من الولايات تطالب بين حين وآخر بالانفصال عن الاتحاد الفيدرالي، مثل ألاسكا وكاليفورنيا وفلوريدا وجورجيا والهاواي، ثم تكساس على وجه الخصوص. في هذه الولاية لم تتوقف جهود النشطاء الانفصاليين منذ زمن طويل، وفي التسعينيات قام ريتشارد لانس مكلارين بتأسيس منظمة جمهورية تكساس، كما ترأس دانيال ميللر حركة تكساس الوطنية.
يعترض أصحاب هذه الحركات الانفصالية على انحرافات الحكومة عن المعطيات الانسانية للدستور الأمريكي وأنها عرّضت البلاد لمخاطر كثيرة. وفي كل مرة تأتي ردة فعل الحكومة غاضبة ورافضة لكل المطالبات، وتـُبقي كل الولايات في الاتحاد الفيدرالي قسرًا. تتمسك أمريكا بوحدتها وتفرض علينا التقسيم، تفاخر أمريكا بتماسكها وترضى لنا التفتيت، تؤمن بقول لنكولن أن «البيت المنقسم يتهاوى»، وتريد لنا شرق أوسط متهاويًا. خطة سايكس بيكو في الحقيقة رسمت الحدود بين بلدان قائمة بأسمائها وشعوبها، فقط ليسهل تقسيمها بين الصقور المستعمرة. حينها كان التقسيم بينهم، واليوم سيكون التقسيم بيننا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store