Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

خطاب الكراهية: البذور والحصاد

في أعقاب أحداث 11 سبتمبر تساءل الأمريكان في كل برنامج إخباري، وعلى صفحات كل جريدة، وخلال كل تحليل سياسي: (لماذا يكرهوننا؟).

A A
في أعقاب أحداث 11 سبتمبر تساءل الأمريكان في كل برنامج إخباري، وعلى صفحات كل جريدة، وخلال كل تحليل سياسي: (لماذا يكرهوننا؟). لقد بدت علامات كره العرب والمسلمين لأمريكا جلية في تدمير البرجين خاصة، وفي سلسلة من الأحداث العنيفة التي استهدفت المصالح الأمريكية، ومراكز قواتها حول العالم. لكن بقي الأمريكان جاهلين بأسباب تلك الكراهية.
حين زارنا في جدة الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، واجتمع بنخبة من المثقفين السعوديين بدأ حديثه معنا قائلاً إنه في رحلة لاكتشاف الجواب عن السؤال المعضلة، ثم نظر إلينا وبراءة الأطفال في عينيه وقال: «لماذا تكرهوننا مع أننا طيبون؟» ورحنا نبحث في رؤوسنا عن رد مناسب للسؤال المطروح، ثم نفينا الكراهية من أصلها، لكن السؤال الخبيث لم يكن: هل تكرهوننا؟، بل لماذا، وكأن الكراهية كانت قضية محسومة، والبحث كان عن السبب فقط. نفينا لم يقنع فريدمان الذي عاد إلى بلده، ونشر مقاله مؤكدًا كرهنا لهم، وكأنه لم يسمعنا.
لا بد أن كرهنا الذي حيّر الأمريكان فلم يعرفوا له سببًا جعلهم يشعرون بنكراننا لحبهم لنا، فنحن نستقبل العاطفة الفياضة الموجهة نحونا، ثم نستدير لنصب كراهيتنا عليهم. حين دار السؤال في أعقاب 11 سبتمبر ظننا بحسن نية أن أمريكا كانت تبحث عن سبب كرهنا لها حتى تتلمس مخارج لإزالة الكره وإحلال المحبة في قلوبنا، ظنناها تسير في خط إصلاحها لمسيرتها، وقد جاءت تستجدي جوابًا يعينها.
الحقيقة أن أمريكا كانت تلصق بنا سببًا للقادم، كانت تثبت علينا تهمة كراهيتها حتى نستحق ما سيجري علينا. بعدها خرج الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن علينا بأسباب جاهزة لكراهيتنا لهم. قال للعالم عنا إننا إنما نكره الأمريكان لأنهم أحرار، ولأنهم ينعمون بالديموقراطية، ولأنهم أهل علم وحضارة وتقدم، ثم استمد مشروعية غزوه للعراق من واقع هذه الحرب الخفية التي تستهدف حريتهم، ومدنيتهم، وديموقراطيتهم. اجتمعت كل هذه التهم لتحولنا جميعًا إلى إرهابيين يستلزم إصلاحنا وتأديبنا وإثارة الفوضى بيننا وتقسيمنا وإعادة رسم خريطتنا.ثم ظهرت أمريكا بوجه آخر وشطرت العالم إلى نصفين: محورت نفسها في الخير ورمت بغيرها في محور الشر، ثم وضعت بلاد الأرض على حافة الاصطفاف: إمّا معها وإمّا ضدها. بعدها توالت التناقضات، فإذا بالحرية تقبل القسمة على اثنين: حرية الأمريكان المقدسة، وحرية الأمريكان المُستحلّة، وإذا بالتفاضل الثقافي بين شعوب الأرض التي تقف أمريكا على قمتها كالأفضل والأعقل والأرقى وينحدر العرب والمسلمون إلى أسفلها، كالأسوأ والأكثر تخلّفًا ووحشية، وإذا القوة تنفلت من سلطة العقل فتدمر بلا رحمة ولا حكمة، وإذا بالإعلام الأمريكي ينغلق على نفسه، ويمد شعبه بمعلومات جاهزة ومنقوصة ويزرع فيه الرعب فيتأهب لصد الهجوم المسلم الكاره!
اليوم لو عاد توماس فريدمان لزيارتنا وطرح سؤاله علينا: (لماذا تكرهوننا؟). فسوف نعطيه أسبابًا عديدة أقلها إن الكره ناشئ عن كره. حينما قررت أمريكا أننا جميعًا؛ عربًا ومسلمين، لها كارهون، فقد توصلت إلى ذلك القرار بناءً على حجم العنف والضرر الذي طالها على يد أفراد منا يقلون عن العشرين. وقياسًا على ذلك، إن كان مدى التعدّي والأذى هو مؤشر الكراهية لدى أمريكا، فالسؤال الأكثر إيلامًا والذي سيبقى مفتوحًا على أسوأ التوقعات، ذلك السؤال الثقيل جدًّا الذي يزن أطنانًا من القنابل الذكية والغبية وهو: ما مدى كراهية أمريكا لنا في ضوء مقدار الأذى والدمار الذي ألحقته بنا منذ واقعة الحادي عشر من سبتمبر؟!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store