هل سمعتم بتارتوف؟!

تارتوف هو اسم لشخصية رجل محتال في المسرحية الكوميدية Tartuffe للكاتب الفرنسي الكبير موليير والتي كتبها عام 1664. أبدع موليير في مسرحيته تصويرًا ساخرًا دقيقًا لرجل منافق اسمه تارتوف يتظاهر بالتقوى في مظهره الخارجي بينما يمارس كل أنواع الفساد الدنيوي من إشباع لنزواته واستغلاله للآخرين نساءً ورجالًا لتحقيق مصالح شخصية مُغلَّفة بعباءة دينية. تحكي المسرحية بطريقة هزلية دخول تارتوف المحتال في منزل رجل ثري يُدعى أورغون استدعاه من أجل تربية أفراد العائلة وإرشادهم دينيًا وأخلاقيًا.
تعرض المسرحية خمسة موضوعات أساسية:
1- النفاق متمثلًا في التناقض بين المظهر الأخلاقي والحقيقة الفاسدة. فتارتوف يتظاهر بالتقوى خارجيًا لدرجة أن أورغون وثق فيه ووظّفه ليكون مرشدًا لأسرته يُعلّمهم الأخلاقيات والفضيلة بينما هو في حقيقته مجرد رجل منافق كذاب لا يعرف من الأخلاقيات إلا ما يخدع به الآخرين.
2- عبثية التعصب والتطرف الديني والذي تمثله حركة الجانسانية Jansenism داخل الكنيسة الكاثولوكية في فرنسا في القرن السابع عشر، والتي تبنّت شكلًا متزمِّتًا يفرض أخلاقيات متشددة في المجتمع.
3- السذاجة وسهولة الانخداع ويمثلها بطل المسرحية السيد أورغون الذي وثق في المحتال تارتوف وانخدع بمظهره الخارجي الذي يدّعي التدين والأخلاق بالرغم من انكشاف حقيقة تارتوف لزوجة أورغون وابنته.
4- البسطاء والمُهمَّشون يمتلكون الحكمة أيضًا، وذلك ما مثّلته شخصية الخادمة في منزل السيد أورغون بذكائها وقدرتها على فضح نفاق تارتوف وإسدائها النصيحة لابنة أورغون بعد أن أقنعها والدها بالزواج من المحتال تارتوف.
5- سطوة الهوس بالدعاة الذين يتّخذون من التدين تجارة يسيطرون بها على عقول الآخرين ويمثلها السيد أورغون الذي وقع فريسة لسطوة تارتوف ونفاقه الديني لدرجة ضحى فيها بابنته ووافق على زواجها من تارتوف متجاهلًا اعتراض زوجته المريضة كما حرم ابنه من الميراث من أجل تارتوف.
أمام هذه الثيمات الخمسة في مسرحية موليير والتي أصبحت واحدة من كلاسيكيات الأدب الغربي، أتساءل عزيزي القارئ كم من هذه المظاهر واقع في حياتنا في القرن الواحد والعشرين، وكم من التارتوفيين يمشون بيننا بخيلاء يعبثون بأرواحنا ويستبيحون دماءنا ويتلاعبون بعقول أبنائنا ويُدمِّرون مجتمعاتنا ويتهمون الآخر المختلف بالفجور والفسوق بينما ينسون أنفسهم! حمى الله بلدنا من النفاق والرياء والتطرف.