Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

العربي الجيد الوحيد.. هو العربي الميت

كلَّما توغّلنا في الزمن الذي نعيشه، أدركنا بحزن كبير، كم أن عقل الإنسان أخفق، ولايزال يخفق في محو الغباء البشري الذي تسيَّد في العالم حتى أصبح قانونًا.

A A
كلَّما توغّلنا في الزمن الذي نعيشه، أدركنا بحزن كبير، كم أن عقل الإنسان أخفق، ولايزال يخفق في محو الغباء البشري الذي تسيَّد في العالم حتى أصبح قانونًا. وظهر بأنّ الضغينة هي الأكثر توغلاً ودوامًا في أمخاخ الذين يشكلون العالمين: المتقدم والمتخلف أيضًا. كلاهما في لحظات الأزمات ينتج جانبه الأسوأ والأكثر ظلامًا وبؤسًا وانحطاطًا. وهذا يثبت بلا أدنى شك، كم أن البشر أغبياء لأنهم لا يتعلمون من تجاربهم إلاّ قليلاً، فيعيدون إنتاج نفس الخراب والتخلّف، بأشكال أكثر أناقة وتطورًا، ولكن أيضًا أكثر شمولية وخرابًا. أعتقد أنه منذ القنبلة النووية الأولى التي ألقيت على هيروشيما، أصبح قتل الإنسان بالآلاف، لا يثير أية شبهة، ويدخل في سياق العادي، وكأن الأمر لم يعد يهمّ كثيرًا. حتى أصبح دم الإنسان لا يساوي ثمن الرصاصة التي تسرق روحه. يصل هذا التمادي في الضغينة ضد العربي، إلى أقصاه، طبعًا دون تمييز، نعرف مسبقًا أنه كما في كل الأمم، يوجد في العربي الإرهابي القاتل، ويوجد أيضًا الخير والمحب للبشر، الذي لا يطلب إلاّ العيش بكرامته، مثل بقية المخلوقات الطبيعية، وهو المشكل للأغلبية. من بين تجليات هذه الضغينة التي خرجت وأصبحت متداولة، ولم يعاقَب أصحابها، مع أنها تتبطن عنصرية مقيتة ترفضها الدساتير والشرائع، مقولة أوردتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، ونقلتها عنها يومية الشرق الأوسط، جاءت على لسان الدبلوماسي الأمريكي باتريك سيرنغ في شكل رسائل بعث بها بالبريد الإلكتروني إلى «المعهد العربي ـ الأمريكي» وتتبطن تهديدات مجانية معادية، حملت كلمات وعبارات مسيئة للعرب، منها أن «العربي الجيد الوحيد هو العربي الميت»، الكلمة التي لم تثر العرب رسميًّا على الأقل إلاّ قليلاً. ممّا قاد هذا الدبلوماسي إلى الاستقالة بسبب ضغط الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان، وتلك المضادة للعنصرية المقيتة. ولم يكشف المدّعي الفيدرالي في واشنطن عن هذه الرسائل إلاّ بعد أن تقرر متابعة سيرنغ على تصريحاته اللاأخلاقية. وكعادتها لإسكات الجمعيات المناهضة، استبقت الخارجية الأمريكية تفاعلات هذه القضية للحفاظ على ماء وجه المؤسسة المتواطئة، باستلام القضية. قال شون ماكور مارك، الناطق باسم الخارجية: «اختار سيرنغ التقاعد عن العمل في وزارة الخارجية»؛ ممّا يعني رسميًّا، أن الأمر ليس مهمًّا، وكأنّه لا حدث، إذ لا عقوبة أبدًا على عنصرية يعاقب عليها قانون الديمقراطيات الحرة في أمريكا والغرب. المؤذي في كل هذا هو أنه لا صوت للعرب في شأن قضية تعنيهم بعمق، وكأن الشتيمة وقعت على غيرهم من الأعداء، وكأن الإهانة أصبحت قدرًا مسلطًا، وعليهم تحمّلها بمزيد من القبول والاستسلام. لا أحد رفع حتى الأصبع الصغير للدفاع عن نفسه، ولا حتى بتمثيل تهديد شكلي يحفظ ماء الوجه مثلا كالمس بمصالح أمريكا دفاعًا عمّا تبقى من كرامة عربية. مرّ الحادث وكأن كل شيء مات فينا. في ظل هذا الفراغ، وفي غياب ردة أي فعل جاد، ترسّخت المقولة حتى ابتذلت، مع أنها إضافة إلى عمقها العنصري، فهي تتبطن فعل الجريمة. فأصبحت متداولة وسهلة الاستعمال بكل محمولاتها الخطيرة. تغريدة الصهيوني جوش بورنستين: أعزائي اليهود اقتلوا العرب الآن، العربي الجيد الوحيد هو العربي الميت، ليست إلاّ تنويعًا ضافيًا على حالة تم تثبيتها، وكأنها حقيقة مرسخة. الغرب الاستعماري يصنّع صورتنا في مخابره الإعلامية السمعية والمرئية كما يحلو له، فماذا تفعل قنواتنا التي هي بعدد الحصى، الغارق معظمها في التخريف والانحطاط، تتوالد مثل الدود، تأكل بعضها بعضًا قبل أن تأكل نفسها، بلا أدنى فائدة، بدل أن تحترف وتعيد ترقية صورة العربي.
الإعلام المرئي الحرفي قادر على إحداث أكبر الانقلابات في الرؤى. للأسف، وبلا مشروع، مازلنا بعيدين كل البعد عن الدفاع عن أنفسنا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store