Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الأخُوَّة الجريحة.. بين الإباضية والمالكية في الجزائر

إن الأمراض الطائفية والعرقية البغيضة لم تستثنِ أي بلد عربي. من العراق إلى سوريا، ومن السودان إلى مصر وليبيا، من بلدان الخليج إلى اليمن، والآن الجزائر، يدركها كلها ريح هذا المرض الفتاك.

A A
إن الأمراض الطائفية والعرقية البغيضة لم تستثنِ أي بلد عربي. من العراق إلى سوريا، ومن السودان إلى مصر وليبيا، من بلدان الخليج إلى اليمن، والآن الجزائر، يدركها كلها ريح هذا المرض الفتاك. في كل مرة ضحايا بالعشرات، وفي الأغلب الأعم يكون الظلم والجهل هما سيدا المشهد، وكثيراً ما يرافق ذلك تواطؤ محلي وأجنبي يأتي ليصب النار على الزيت، ويشتعل الوضع أكثر. في النهاية، هذا لا يدل إلا على شيء واحد، هو إخفاق كلي في تحقيق مسألة المواطنة التي تشكل البنيان الأساسي لأي تحول مجتمعي، وهي الضامن الكبير والأوحد من الانزلاق الخطير نحو ما لا تحمد عقباه. المواطنة التي تعني الإحساس أولاً بالانتماء إلى أرض بعينها، تجمع شعباً واحداً، من مشارب طائفية وعرقية مختلفة، فرضتها ظروف التحولات التاريخية في هذه المناطق، من خلال سلسلة من التقاطعات تأسست في الصعوبات والحروب أحياناً، والحاجات المشتركة. لنقل بأن المفكر الصهيوني برنار لويس يكون مزهواً في قبره لأن تحليله أصاب قليلاً. فهو الذي قال باستحالة تكوَّن الدولة العربية نظرا للنظم التقليدية المترسخة في التربة القبلية. هو طبعاً يؤدي وظيفة لم ينكرها أبداً والتي تعطي شرعية الوجود بالنسبة لإسرائيل بوصفها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، متناسياً طبعا الاحتلال والتقتيل اليومي ضد الفلسطينيين. فقد تشعبت الطائفية في العالم العربي حتى أصبحت ناراً حارقة لكل المشاريع التنموية. ما حدث في الجزائر قبل أسبوع هو جزء من هذا ومن استهانة الطبقة السياسية بالمخاطر المحدقة بالبلاد والعباد. مشكلات الطائفتين الإباضية الزناتية الأمازيغية، والمالكية العربية، في عمومها قديمة، تجلت أكثر في ديسمبر 2013 حيث تم إحراق مئات المنازل والمصانع والمحلات في وادي ميزاب، وبريان مع العديد من الضحايا. لكن المسألة هذه المرة تفاقمت أكثر، 22 قتيلاً وهو ما لم يحدث من قبل، فوضع البلاد على حافة المخاطر المحلية والدولية. بالخصوص أن الأحداث سبقها إنذار أمريكي للجزائر حول الفساد وحقوق الإنسان. نستطيع طبعاً أن نربط الأحداث بحسابات النظام الدولي الجديد، وباحتمال مشاركة التيارات الانفصالية مثل MAK الحركة من أجل انفصال القبائل. قد يكون في ذلك بعض الصحة، لكن المأزق الكبير هو مأزق المعالجة الضعيفة للمسألة حتى اليوم. ما الذي يجعل الإباضية، كقوة ثقافية وسياسية وحضارية بكل خصوصياتها، تشعر أنها غير محمية من الدولة ذات الغالبية المالكية، إذ يشكل الإباضيون مليوناً من أربعين مليون جزائري. المشكلة هي أولاً داخلية، وتحتاج إلى حل عقلاني داخلي بين الإباضيين القاطنين المنطقة منذ قرون، بالمقابل كانت قبائل الشعانبة المالكية، عبارة عن رحالة وقبائل متحركة. تبيع وتشتري ثم تسافر. مع السنوات والقرون، بدأت تستقر عبر وادي ميزاب وتتحول إلى قوة اقتصادية منافسة. فوجدت المنطقة نفسها بين نظامين حياتيين، بين إباضية لها عراقتها في الاتجار، وخصوصياتها التقليدية والدينية. ومالكية استقرت عبر الوادي وبريان. وبدأ المركزان التجاريان في سياق التنافس يدخلان في خلافات جمة غطتها النزعات الطائفية. وكما نعرف، حيث يسيل الدم تنبت الأحقاد. حتى صلاة الغائب، التي جمعت الطائفتين في نفس الوقت، ليست إلا تعبيراً خفياً عن أخوة جريحة. قد يخفت صوت الضغينة مؤقتاً، لكنها ستبقى إذا لم يشفع ذلك بحلول غير أمنية، اجتماعية صحيحة في جنوب ظل خارج التنمية وهو الضرع الذي يرضع الجزائر قاطبة من خيراته النفطية. ٩٨ % من الدخل القومي يأتي من الجنوب. وهذا يجب أن يكون مدعاة للتفكير العميق بالنسبة لكل الجزائريين قبل فوات الأوان ودخول البلاد في ما لا يمكن استدراكه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store