Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عندما ظهر «سروال طفولتي» في التلفزيون!

في فترة لم نكن نسمع فيها بكاميرا الجوال بعد، وفي غمرة هيبة العسكر، ولا مبالاة بالحرّ الشديد؛ إذ تؤكّدُ الجَدّات ارتباط الحرارة بمقدار الذنوب، فلا حرَّ عند الأطفال يشعرون به.

A A
في فترة لم نكن نسمع فيها بكاميرا الجوال بعد، وفي غمرة هيبة العسكر، ولا مبالاة بالحرّ الشديد؛ إذ تؤكّدُ الجَدّات ارتباط الحرارة بمقدار الذنوب، فلا حرَّ عند الأطفال يشعرون به.
وقد كان المنزِل عند مدخل الحارة -وما يزال-، فلا نكاد نسمع صوتا في الشارع الرئيس السريع، حتى نجري تاركين الملعب في ذروة الهجمة الحماسية، أو نمضي على وقع ارتطام، شاردين من البيت ومن نداء الأمهات، فتكون الضحية امرأتين عبرتا «شارع السلام» إلى رحمة الله.
أو أنها سيارة تفاءلت باسم الشارع تفاؤلا مُفرِطا أوقعها في حرج، ولربّما هي هيبة الطريق المؤدي إلى «باب السلام» مُباشَرةً حيث النبيّ الأعظم هناك، فتتفاوت السرعات ما بين غارقٍ في السكينة وآخرَ مُسرعٍ، مضطربٍ، قالوا عنه مجنون بسبب ما يجد من حال.. وصلوات ربي على رسول السلام.
القصص كثيرة في ذلك الشارع غير أن أكثرها علوقا في الذهن قصة كاميرا التلفزيون المتجولة.
الشارع الكبير السريع خالٍ على غير العادة!.. ولا صوتَ سوى تمشيط سريع لبعض سيارات الشرطة.. وكل هذا في لحظات.
سمعنا طبولاً ترتجف لها الأرض، وأنوارٌ تتراءى من بُعد تجاه الحرم!.. المسافة بعيدة... وكلما اقتربنا زاد الصوت!
«بِدل» عسكرية تملأ المكان وحَرَس! نتقدّم نحن الأقزام وبالكاد يصل رأس الواحد منّا لركبة العسكريّ!
يقيني الآن تامّ أن من أنقذ (أسماعنا) أن تنفجر من الموسيقى والطبول الصاخبة، وحَفِظَ (قلوبنا) الصغيرة من العطب، إنّما هي نفحةٌ إلهيةُ أمدّت أرواحنا بقوى خفيّة تُرَغِّبُنا في الفرح، إذ (اتَّسَعت) لتتحمّل كلّ تلك المشاهد صَخَباً ورهبةً وزحمةً، وخوفاً ونشوة، وقلقا من البُعد عن الحارة، وتجاهلِ نداءات الأمهات، كما (تتّسع) الأرحام لحظة الطّلق والولادة!
وإذْ غرقنا في تفاصيل اللحظة المدهشة.. كانت تلك أول مرة أشاهد فيها كاميرا «الحكومة» تتجوّل مُضاءة على كتف رجل نحيل يرتدي عمامة قاتمة فوق سيارة، وقد بدا نحيلا مع هيبةٍ بالغة.
وبالصدفة شاهدنا الأخبار الرسمية في اليوم التالي، تعرض حدث البارحة وتُبرِز صور احتفال «الحكومة» بالمهرجان الصيفي.. فتعالت صيحات في البيت وعند الجيران، إذ ظهر محمود ابن خالتي، وأنا، وصديق قديم لا أذكره في التلفاز، وعلى قدر ما كنا أقزاما، فلم يظهر منا إلا نصفنا السفلي!
أصرّ كل أطفال الحي وقت عرض النشرات المسجلة لاحقا في أكثر من قناة على أن سراويلنا ظهرت في المشهد!.. ولم أفهم حتى الآن سر إصرار المسؤولين عن النشرة على إقصائنا رغم براءة الأطفال وعيونهم المشعة فرحا والمندهشة هلعا وإعجابا.. !
ومن ساعتها وأنا أهاب الكاميرا، وتعلمتُ ألا أتوهّم أني سيد الموقف ومحور اهتمام الكون رغم كل الأحداث الداعية للدهشة!.. وتعلمتُ سرا آخر روحانيا لا مجال لذكره.. وربنا يتولانا ويتولاكم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store