Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

قشّ بختة ينتصر على الغيرنيكا

الأمر طبعًا لا يتعلق بغيرنيكا بيكاسو، ولكن بالعلاقة بالفن في حياتنا اليومية. في الرحلة رقم AH 4013.

A A
الأمر طبعًا لا يتعلق بغيرنيكا بيكاسو، ولكن بالعلاقة بالفن في حياتنا اليومية. في الرحلة رقم AH 4013. لإحدى الخطوط العربية الوقورة كنت عائدًا من مؤتمر عربي وأنا ما زلت تحت وقع الإشكالية: العرب، أن نكون أو لا نكون.. محملًا بهدية غالية لصديقة فنانة تشكيلية مغربية منحتها لي بمناسبة عيد ميلادي الذي صادف وجودي بالمغرب. اسم اللوحة: الملاك الأحمر، فاجأتني بها بحب كبير، أشعر بالإحراج أن آخذ جهدًا بدون مقابل بذل فيه صاحبه الليالي الطوال وهو يختار موضوعاته وألوانه وخشب إطاره و.. و.. و.. كانت اللوحة مغطاة وجهزتها بحيث توضع مع الأغراض بالطائرة بلا ضرر كبير، وتفاديًا لأي احتمال أسود وتمزق اللوحة، طلبت من عمال المطار، جهة تغليف الحقائب، إحاطتها بالسيلوفان، غلفها الشاب وهو يقول: أعرف أنك كاتب وفنان ولهذا سأبذل كل جهدي لأحول السيلوفان إلى مادة مقاومة، أحاطها بإتقان كبير، ورحت سعيدًا إلى جهة البزنس الذي يفترض أن يكون فيه التسامح أكثر، علمًا أن اللوحة لا يوجد بها أي زجاج يمكن أن يثير الأسئلة، قدمت بطاقتي للموظفة، أعطتني المقعد الأول H1. قدمت اللوحة التي لا تزن أكثر من خمسة كيلوجرامات على أكثر تقدير، لوحة من متر ونصف طولًا وأقل من متر عرضًا، قالت هذه كبيرة، لا تمرّ، قلت لها ساخرًا: أقل من كيس بطاطا، امتعضت، أضفت: هذه ليست حقيبة، هذه لوحة، بمعنى، شيء خاص جدًا، لا تخضع لمقاييس الحقائب، وكأن الصوت الذي جاءها من مسؤولها من الخلف كان صارمًا، على اللوحة ألا تتجاوز المتر الواحد طولًا وعرضًا، قلت لها يا أختي هذه لوحة، أنا أغامر بها إذ أضعها مع الأمتعة، قالت: المسؤول منعني من أخذها.. قلت طيب إذن سآخذها معي في الطائرة، قالت ممنوع، قضيت صبيحة بكاملها أسأل المشرفين على الرحلة لأقنعهم بجدوى كلامي، فجأة لمع بريق من الذكاء في عيني الموظفة، فقالت: من الأفضل أن تأخذ اللوحة وتحطها في الفريت، أين هو الفريت؟ هناك إجراءات قانونية تأخذ منك يومًا واحدًا فقط، لا بد أن تمر عن طريق شركة عبور، أين شركة العبور؟ في المدينة، ركبت رأسي أن أسافر مع لوحتي، لكن في بوابة شرطة الحدود قيل لي باحترام، من الأفضل أن أدفع بها مع الأغراض لأنها تستعصي على السكانير، كررت مثل طفل غبي نفس الكلام، أنها هدية من صديقة غالية، قال الموظف بطيبة: أنا أفهمك.. لكن عد بها وأدفعها مع الأمتعة. في النهاية اتخذت القرار الأكثر ألمًا، مررت عند شاب السيلوفان الطيب، شكيت له، فقال من الأفضل أن تفكك اللوحة وتحتفظ بالطوال، أي قماش اللوحة، وتعيد تركيبها هناك، وهو ما كنت أفكر فيه، وسلمت للشاب مهمة تفكيك اللوحة، بينما نزعت المساسيك التي كانت تثبت أطرافها على الإطار الخشبي.. استغرق الأمر قرابة الساعة، أخرجت القماش المرسوم بلا أدنى ضرر، بينما تحولت الأخشاب إلى ركام. وعدت نحو الموظفة لأدفع بقية أغراضي واحتفظ بالطوال، عندما جاء مسؤول الرحلة، عرضت السيدة عليه مشكلتي.. فقال: ممكن ما دمت في البزنس كلاس، انتظر أسأل الموظف على حزام الأمتعة حتى يتركها تمر، ولا تسقط من الحزام، أنت أديبنا الكبير الذي شرفنا ويشرفنا في المحافل العربية والدولية، ثم غاب ولم أسمع إلا صوته مع أحد الموظفين، الرجاء حمل اللوحة إلى الأمتعة لأنها هشة، لتمريرها نحو الطائرة، بينما كنت قد غادرت المكان بمرارة كبيرة، ذهبت إلى اللونج ومنها إلى الطائرة، متمنيًا لجميع الركاب وللطائرة المحملة بقش بختة (الألبسة الرخيصة) والخزائن الخشبية والصحف المثقلة بالكذب وغيرها. تذكرت بالرغم مني إشكالية المؤتمر، العرب أن نكون أو لا نكون، أعتقد صادقًا أننا لن نكون.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store