Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بائعة الرصيف

يوم الجمعة، يوم عطلتي الأسبوعية، هذه جمعة جديدة أنتشي فيها بلقاء الأحفاد، بقرار من حفيدي الصغير «حلمي» ذو العشر سنوات أنه سيبدأ التجارة، اختار بقالة «الحجة» تلك البائعة التي تمارس خليطًا من التجارة ال

A A
يوم الجمعة، يوم عطلتي الأسبوعية، هذه جمعة جديدة أنتشي فيها بلقاء الأحفاد، بقرار من حفيدي الصغير «حلمي» ذو العشر سنوات أنه سيبدأ التجارة، اختار بقالة «الحجة» تلك البائعة التي تمارس خليطًا من التجارة المتنوّعة، نوع من الرزق البدائي، امرأة قدمت من أقصى المدن الإفريقية، تميل بشرتها إلى السمرة، إلى لون البن المحروق، يجبرها يوميًّا مفتشو البلدية على تغيير مكانها، فليس لبائعة الرصيف عنوان أو مكان، تحمل حقيبة سوداء تعلّقها في رقبتها، وتنظر إليها بين الحين والآخر لتتأكّد من أن الإيراد اليومي، أنه سيكفيها دون الحاجة للتسوّل، ترافقها ابنتاها الصغيرتان في حرارة هذا الشهر اللهّاب، بشرتهما تكادان تكونان مثل حلاوة «نوتلا» غضتان في عمر الزهور، تستظلان بكرتونة تقيهم سعار الحرارة الجداوية. توقفت للشراء منها، فأنا أشعر أن الشراء منها واجب لتلك المرأة المكافحة في طلب الرزق.
بينما كانت تقلّب بضاعتها إذا برجل تصحبه طفلتان تلبسان أجمل الملابس والماركات، يتوقف ليشتري من تلك المرأة أمام الإلحاح من ابنتيه، يتكلم بلهجة فوقية، حيث اعتبر أن السعر الذي تطرحه بائعة الرصيف «الحجة» يتجاوز المعقول، كانت البائعة تطأطئ رأسها تأدّبًا، أمّا الطفلتان فاستحالتا إلى تمثالين مكسورتي الخاطر، تبحلقان منبهرتين في ثياب ابنتي الشاري، نزلت دمعتان من عين بائعة الرصيف، كانت تبكي كأنها ترغب بالاستعانة بي، فلغتها العربية لم تسعفها، ابدأ للرد كنت أتلوّى على حالي، سألته ولم أكن واثقة لامتلاكه الجواب قلت له: ما شاء الله ثياب ابنتيكما جميلة جدًّا لابد أنها ماركة!
أجابني بنشوة أن فساتين ابنتيه مصنوعة بعدد محصور في العالم، هززت رأسي وتحدثت بصمت في خاطري، تدفع أيُّها الشاري للشركات العالمية بالعملات الأجنبية، وتتكثّر على «الحجة» بائعة الرصيف، وغادر ذلك الشاري يتمم أن السعر غالٍ دون الشراء.
عدت للحديث مع بائعة الرصيف «الحجة» لأطيّب خاطرها، لم تتفوّه بكلمة، سددتُ أصبعًا نحو قلبها، وأشارت إلى السماء (الله كريم)، وعادت لتجلس على جزء من الكرتون ليحميها من حرارة الرصيف، وبجوارها جالون الماء تتفرّس المارة لعل منهم مَن يتوقف للشراء دون أن يذكرها بكثرة العناء.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store